محمد القصبجي من أعلام الموسيقى والتلحين وأستاذ فى آلة العود ، اقترن اسمه باسم أم كلثوم وغنت له أروع أغانيه كما لحن لها أجمل أغانيها ، ومعا حققا مجدا فنيا لا يضاهى
جمع الموسيقار محمد القصبجى بين الحداثة والرومانسية فى نسيج جديد على الموسيقى العربية وما أدخله من تطوير على فنون الموسيقى العربية جعله يقف بجدارة فى مصاف الرواد
من ابرز إنجازاته الفنية ما حققه من تطوير لأشكال الغناء التقليدى كالدور والطقطوقة ، واتخذت الأغنية بفضله شكلها المعروف اليوم ، كما كان له دور فى تطوير الموسيقى البحتة والتخت الشرقى
تـواريــــخ
عام 1892 ميلاد محمد القصبجى ، نفس العام الذى ولد فيه سيد درويش
عام 1923 محمد عبد الوهاب يتعلم العود على يد محمد القصبجى
عام 1924 أم كلثوم تغنى للقصبجى وأحمد رامى
عام 1927 القصبجى يكون فرقته الموسيقية من أمهر العازفين
عام 1928 أم كلثوم تقفز لقمة الغناء بألحان محمد القصبجى وأشهر أغنياتها إن كنت اسامح
عام 1930 محمد القصبجى الملحن الأول لأم كلثوم
عام 1933 أسمهان تغنى للقصبجى لأول مرة
عام 1944 القصبجى يبدع لأم كلثوم أروع ألحانه رق الحبيب
القصبجى ضيف شرف دائم فى فرقة أم كلثوم الموسيقية
عام 1966 وفاة محمد القصبجى عن 74 عاما
رحــلة حيــاته
ولد الفنان محمدالقصبجى بالقاهرة عام 1892 ، نشأ فى بيئة موسيقية فنية حيث كان والده يدرس آلة العود ويلحن للمطربين ، فأحب الموسيقى ومال إليها منذ الصغر ، وكبرت هوايته معه منذ أوائل طفولته عندما ألحقه والده بالكتاب ليحفظ القرآن الكريم ، واستمرت وهو بالأزهر الشريف حيث درس اللغة العربية والمنطق والفقه والتوحيد ، ثم بعد التحاقه بدار المعلمين التى تخرج منها معلما
كان على الشاب محمد أن يلتحق بمهنة التدريس لكن هوايته الموسيقية تملكت حواسه ومشاعره وملأت عليه خياله ، وكان قد سار حتى الآن على رغبة والده الذى أراد له احتراف العمل الدينى ، لكن الوالد الذى لاحظ هواية ابنه لم يحرمه تماما منها ، وأمام رغبة الشاب الصغير الملحة فى تعلم الموسيقى قرر أن يعلمه بعض علومها ، وأن يدربه على عزف العود خلال أوقات فراغه فتهدأ نفسه بهذه الهواية الجميلة عسى أن يساعده ذلك على الدراسة والبحث ، فمارس محمد القصبجي هوايته المفضلة جنبا إلى جنب مع دراسته ، ثم عمل معلما بعد تخرجه من دار المعلمين لسنوات قليلة
تمكن القصبجى من أصول العزف والتلحين وساعده ثقافته العامة فى طرق هذا المجال باقتدار وبدأ يعمل للفن ، ثم ترك مهنة التدريس وتفرغ تماما للعمل الفنى ، وكانت أول أغنية له من نظمه وتلحينه ومطلعها ما ليش مليك في القلب غيرك ، وحينما طلبت منه شركة اسطونات تسجيل هذا اللحن للمطرب زكى مراد والد الفنانة ليلى مراد ، وكان أحد مشاهير المطربين ، بدأت رحلة المستقبل كما وصفه القصبجى المليْ بالأماني الكثيرة والألحان الساحرة ، فأصبح يقرأ الأشعار وكتب الأزجال ويقوم بتلحينها رغم عدم إذاعتها ، ويعرض إنتاجه على المنتجين ، ومن ما كتب ولحن أغنية يا قلبي ليه سرك تذيعه للعيون والحب له في الناس أحكام
فى عام 1927 كون محمد القصبجى فرقته الموسيقية التى ضمت أبرع العازفين مثل محمد العقاد للقانون وأمير الكمان سامى الشوا وكان هو عازف العود فى الفرقة ، وبهذا الشكل كان له تخت محمد القصبجى ، لكنه لم يتوقف عند الشكل التقليدى فأضاف إلى فرقته آلة التشيلو وآلة الكونترباص وهما آلتان غربيتان
انتبهت إلى عبقريته شركات الاسطوانات فأقبلت على ألحانه لتسجيلها ، كما طلبها كبار المطربين والمطربات ، وعندما طلبت منه منيرة المهدية التلحين لها لحن لها بعض الأغاني والأوبريتات المسرحية ، وشجع ذلك الكثيرين غيرها على الغناء له فغنى له غير زكي مراد الشيخ سيد الصفتي وصالح عبد الحي
أهم محور فى حياة القصبجى هو تعرفه بأم كلثوم ، ولا شك أنه سعد أشد السعادة بهذا اللقاء إذ أنه أحس بأن صوت أم كلثوم يمكن أن يقدمه إلى الجمهور فى أبهى صورة ، وكان طموح القصبجى الفنى يجعله يبحث عن أفضل الأصوات التى يمكنها أداء ما يريده من تجديدات وإضافات إلى أساليب التلحين والغناء الشرقى ، وقد بدأ تعارف القصبجى وأم كلثوم عن طريق شركة أوديون التى كانت قد اشترت منه أغنية قال حلف ما يكلمنيش فطلبت منه تسجيلها بصوت أم كلثوم ، فبدأ القصبجى تدريب أم كلثوم على اللحن
ولا شك أن أم كلثوم أيضا سعدت بشدة للقاء القصبجى ، فقد أحست ، وصرحت له بشعورها ، بأنها قد عثرت على كنز ، وبدأت بينهما صداقة فنية متميزة ، وكان لها ليس فقط ملحنا ، بل استاذا ومعلما ، وبعد أول أغنية غنت له إن حالى فى هواها عجب ، مقام عجم ، ثم بدأت سلسلة من ألحان القصبجى لأم كلثوم بلغت حوالى 70 لحنا كان آخرها رق الحبيب من شعر أحمد رامى
يعتبر محمد القصبجي من الملحنين ذوى الإنتاج الغزير وتجاوزت ألحانه الألف لحن ، نال معظمها الشهرة والانتشار ، وغنى له أساطين الغناء مثل منيرة المهدية ، أم كلثوم ، أسمهان، وصالح عبد الحي
صاحب محمد القصبجى فى رحلته الفنية الشاعر أحمد رامى ، وكون الاثنان معا ثنائيا فنيا نادر الوجود ، وقد امتزجت ألحان القصبجى الحالمة بكلمات رامى الرقيقة فأطلقا أعذب الأغانى التى رقت لها الأسماع والمشاعر ، وأكمل صوت أم كلثوم الثالوث الفنى الذى ترك رصيدا من الإبداعات أصبحت من كنوز الشرق
خصائص فنـــــه
قدم الموسيقار محمد القصبجى أعمالا سابقة لعصرها فى الأسلوب والتكنيك ، وأضاف للموسيقى الشرقية ألوانا من الإيقاعات الجديدة والألحان سريعة الحركة والجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال ، والتى تتطلب عازفين مهرة على دراية بأسرار العلوم الموسيقبة ، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقى
كل هذا أدى إلى ارتفاع مستوى الموسيقى والموسيقيين أيضا ، وبالإضافة إلى الأجواء الرومانسية الحالمة التى أجاد التحليق فيها اكتسبت ألحان القصبجى شهرة واسعة وجمهورا عريضا ويمكن القول بأنها حملت أم كلثوم إلى القمة
كانت أصوات أم كلثوم وفتحية أحمد وأسمهان بالنسبة إليه وسائط جيدة قدم من خلالها ما أراد للجمهور ، وقد ساهم هو فى صنع تلك الأسماء بلا شك
أما موسيقاه التى لم تقترن بأصوات كمقدمات الأغانى وما تخللها من مقاطع أو كمقطوعات موسيقية فقد جسدت مثالا لما يطمح إليه من تطوير وقد برع فى تقديم أفكار موسيقية جديدة فتحت الباب للتنويع والابتكار
ومن مقطوعاته الموسيقية مقطوعة بعنوان ذكرياتى غير فيها القالب التركى القديم من ميزان السماعى إلى إيقاعات متنوعة وإن احتفظ فيها بالتسليم الذى تعود إليه الموسيقى فى النهاية ، وتباينت مقاطعها بين الوحدة الكبيرة والعزف المنفرد على العود غير المصحوب بإيقاع ، وفى النهاية مقطع شبيه باللونجا ، وتطلبت تكنيكا جديدا فى العزف وهى مقطوعة قلما لا يعرفها عازف عود أو كمان
وللقصبجى أسلوب فريد اتسم بالشاعرية وقد اختار لألحانه أفضل الكلمات وأرقها ، وقد اجتذب على الأخص جمهور المثقفين والطيقة المتوسطة التى كانت آخذة فى النمو فى ذلك الوقت
وعلى طريق تطوير الأداء الموسيقى استخدم القصبجى آلات غربية مستحدثة على التخت الشرقى فأضاف صوت آلة لتشيللو الرخيم والكونترباص المستعملتين فى الأوركسترا الغربى من العائلة الوترية ذات الحجم الكبير ، وهذه الآلات لا تصاحب المغنى فى أدائه على عكس بقية أعضاء التخت ، وإنما تصدر نغمات مصاحبة فى منطقة الأصوات المنخفضة مما يعطى خلفية غنية للحن الأساسى ، مما أعطى عمقا لأداء الفريق لم يعهد من قبل فى الموسيقى الشرقية التى طالما اعتمدت على التخت الشرقى البسيط المكون عادة من العود والكمان والقانون والناى بالإضافة إلى آلة إيقاع
وهذه الإضافة تدلنا على أن محمد القصبجى كانت له طموحات موسيقية جاوزت حد التلحين والغناء وأنه أراد تطوير الأداء وتقديم الجديد فى الموسيقى
كان محمد القصبجى صاحب مدرسة خاصة فى التلحين والعناء ولم يقلد أحدا في ألحانه ، وقد صنع فى ألحانه نسيجا متجانسا بين أصالة الشرق والأساليب الغربية المتطورة فكان بذلك مجددا ارتقى بالموسيقى الشرقية نحو عالم جديد ، واهتم كثيرا بالعنصر الموسيقى إلى جانب العنصر الغنائى فى أعماله
وكما هو الحال مع الرواد فإن ألحان القصبجى ما زالت تردد لليوم ، وكثير من أغانى القصبجى شائعة ومحبوبة لخفة ألحانها ورشاقتها وسهولة أدائها ، وقد لا تتعرف الأجيال الجديدة على اسماء الملحنين القدامى رغم تعرفها على أغانيهم ، لكننا هنا نلقى الضوء على أسمائهم وأعمالهم حتى تكتمل المعرفة ويرد الجميل إلى صاحبه ، ومن أشهر ألحان القصبجى يا بهجة العيد السعيد ، مدام تحب بتنكر ليه ، ورق الحبيب لأم كلثوم ، وليت للبراق عينا وإمتى ح تعرف لأسمهان
أثبت محمد القصيجى قدرته على تغيير الفكر الموسيقى وأسلوب الأداء بما يجعل إضافاته أساسا بعد ذلك يأخذ به من بعده ، وسجل بذلك اسمه فى سجل الخمسة الكبار
القصبجى المعلـــم
بالإضافة إلى إنتاجه الفنى الرائع فقد كان علمه الموسيقى غزيرا ، وهو أستاذ لجيل آخر من موسيقيين وفنانين كبار أكملوا المسيرة الفنية فى القرن العشرين ووقد تعلم منه محمد عبد الوهاب ورياض السنباطى وام كلثوم وأسمهان وفريد ، خاصة تعلم العود ، وقد قدم القصبجى خدمة جليلة للفن الموسيقى العربى كأستاذ للموسيقى الشرقية وآلة العود بمعهد الموسيقى العربية ، فهناك تعلم على يديه فنانون كثيرون
وأشد المتأثرين بفن القصبجى من الملحنين اثنان هما رياض السنباطى وفريد الأطرش
وقد بدأ السنباطى حياته الفنية بحفظ وغناء ألحان القصبجى ، وعندما بدأ التلحين كان واضحا فى ألحانه انتمائه إلى تلك المدرسة التى نشأ فيها ، إلى درجة التشابه الشديد أحيانا فى الألحان ، ومن المعروف أن السنباطى من تلاميذ القصبجى فى العزف على العود
أما فريد الأطرش فلم يستطع الفكاك من مدرسة أستاذه ، والواقع أن أشهر معزوفاته وتقاسيمه على العود والتى اشتهرت فى سائر أنحاء الوطن العربى هى نسخ من تقاسيم محمد القصبجى الذى لم يكن يؤديها فى حفلات على الجمهور كما كان يفعل فريد ، بل إن ألحان فريد الأطرش والمعروفة بجمل لحنية معينة تكررت فى أغانيه مقتبسة من ألحان القصبجى ربما كما هى