يا عزيز عيني ... وأنا بدي أروح بلدي
بلدي يا بلدي ... والسلطة خدت ولدى
وتناول الشيخ "سيد" في أغنياته المشكلات الاجتماعية مثل غلاء المعيشة والسوق السوداء، فتميزت ألحانه بالبساطة بحيث تمكن المواطن البسيط من حفظها وترديدها. ومن ألحانه الشهيرة ذات الكلمات السلسة والألحان المتميزة التي تلتصق بإذن المستمع من المرة الأولى أغنيات "البرابرة"، و"الصنايعية"، و"الحمالين"، وغيرها.
وموضوعات الأغنيات التي يختارها "سيد درويش" لم تكن تقليدية، فلم ينساق وراء أغاني الحب والهجر فقط، بل اخترق الحياة اليومية للشعب ولحن أغنيات لجميع الطبقات مهما كانت بسيطة والتي عبرت عنهم بالفعل.
وكان لـ"سيد درويش" مايسترو إيطالي يدعى "سنيور كاسيو" هو قائد الأوركسترا التي أدت ألحانه المسرحية حية على المسرح، حيث استبدل التخت الشرقي بالأوركسترا الغربي.
أكثر من 200 أغنية وطقطوقة
أضاف الشيخ "سيد درويش" مقاما موسيقيا جديدا للموسيقى الشرقية أسماه "الزنجران" أبدع منه أحد أدواره، ولحن منه الأساتذة اللاحقون. وتنوع إنتاجه ليشمل أنماطا عديدة من التأليف الموسيقي أثبت من خلالها أن كل شيء مكتوب يمكن أن يلحن ويغنى ما مدام هناك فكرة ورأى. ومن أشهر "الطقاطيق" التي لحنها "يا ورد على فل وياسمين"، و"يا عشاق النبي"، و"طلعت يا محلا نورها"، و"سالمة يا سلامة"، و"زوروني كل سنة مرة"، و"الحلوة دي".
ومن أشهر "المونولوجات" التي لحنها "مصطفاكي"، و"الله تستاهل يا قلبي"، و"يقطع فلان على علان". كما لحن "سيد درويش" 22 نشيدا وطنيا منها "بلادي بلادي"، و"أنا المصري"، و"قوم يا مصري"، و"مصرنا وطنا سعدها أملنا"، و"دقت طبول الحرب يا خيالة". ولحن أيضا 10 أدوار منها "أنا عشقت"، و"ضيعت مستقبل حياتي"، و"أنا هويت وانتهيت"، و"الحبيب للهجر مال". كما قام بتلحين العديد من الأعمال المسرحية.
وهناك أكثر من 200 لحن لم تتكرر فيها جملة موسيقية واحدة، وفيها من اختلاف المواقف ما يكفى لعرض حالات الشعور الإنساني كافة وكيفية التعبير عنها. وبلغ إنتاجه في حياته القصيرة من القوالب المختلفة العشرات من الأدوار و40 موشحا و100 طقطوقة و30 أوبريت ورواية مسرحية.
كانت موسيقى الشيخ "سيد درويش" معبرة تماما عن إحساس ومزاج الشعب المصري الذي حرم طويلا من ممارسة الفنون الراقية نتيجة الاستعمار التركي العثماني الذي احتكر فن الموسيقى وصبغها بصبغته وقصر ممارستها على الطبقات الإقطاعية وأفراد الأسر المالكة.
وكانت أغنية "مصطفاكي" تعبر عن تلك الفترة، وكان لهذا العمل ظروفا خاصة، فبعد أن تخلص الإنجليز من السلطان "عبد الحميد" رأس الدولة العثمانية وقاموا بتولية "كمال أتاتورك" الذي كان قائدا لإحدى الفرق العسكرية التركية وقعت معركة بين الجيش التركي بقيادة "أتاتورك" والجيش اليوناني انتصر فيها الجيش التركي فأبدع "سيد درويش" في لحن وأداء أغنية "مصطفاكي" عام 1912 وهي من تأليف "بديع خيري".
النخاردة بكره بعده إخنا نمسك أناضول ... كدابين كدابين
مصطفاكي بزياداكي زانقة رومي خانقة فوس
غوناريس تحت البواكي وياسجان الديوس ... هربانين هربانين
في أثينا مافيش دراخمة عسكرية في أنام
بس شاطرين ياكلوا لخمة من كماليدس يخاف ... معذورين معذورين
لقب "سيد درويش" بـ"مجدد الموسيقى العربية"، وهو اللقب الذي يستحقه عن جدارة نظراً لطابع ألحانه المتميز الذي كان مختلفاً عن السائد وقتها، فسار على نهجه كبار الملحنين في القرن الـ20، مثل "محمد القصبجي"، و"زكريا أحمد"، و"محمد عبد الوهاب"، و"رياض السنباطى"، وقد أحدثت تلك الألحان ثورة جديدة في الذوق العربي الموسيقي.
وخلق الشيخ "سيد" من الفن الشعبي فنا راقيا، حيث أخرجه من الصالونات إلى المسارح والشوارع والبيوت والمقاهي وردد الناس أناشيده في المظاهرات.
"سيد درويش" لم يعتبر نفسه محترفا إنما هاويا إلى درجة العشق - عشق الفن والجمال والحرية والتعبير - ولم يكن الفن عنده مهنة لكسب القوت وإنما رسالة سامية وواجب وطني، ويذكر عنه رفيق دربه "بديع خيري" أنه عندما عانت فرقته من مصاعب مادية كان ينزل إلى وسط البلد وهو مفلس فيسمع ألحانه تقدمها الفرق الأخرى فيعود إليه إحساسه بالسعادة وينسى ما كان فيه من هم.
لم ينشأ الشيخ "سيد درويش" فى أسرة فنية ولم يجد أحدا يساعده على السير في اتجاه الفن، بل على العكس لقي العنت والتعنيف والإكراه على عمل أشياء لم يجد فيها إحساسه بذاته، وفي ظل ظروف معيشية غاية في القسوة كان الفن بالنسبة لمثله ترفا لا يمكن لمسه، لكنه استطاع بفنه أن يبقى في وجدان الشعب لعقود طويلة.