* الموسيقى وعلاقتها بالفلسفة :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن ما قدمه ابن سينا في الموسيقى وعلم الجمال لا يمكن فهمه أو استيعابه معزولاً عن مواقفه الفلسفية. فهو يخضع الموسيقا لصالح التربية الأخلاقية، ولتطوير العالم الروحي للإنسان. لقد كانت فكرة الشخصية المتطورة تطوراً متناسقاً، والتي تجمع بين الكمال الجسماني للإنسان وغنى عالمه الروحي وسموه الأخلاقي، هي التي حددت مكانة الموسيقا وأهميتها في المنظومة التربوية عند ابن سينا. ومن هنا جاءت أفكاره الموسيقية والجمالية متميزة بالتماسك والانتظام.
وقبل كل شيء تنبغي الإشارة إلى أن ابن سينا لم يكن مجرد متابع أعمى للأفكار الموسيقية الجمالية التي جاء بها اليونانيون القدامى. فهو بعد أن استخدم منجزات العلوم الطبيعية في ميدان علم الموسيقا أخذ ينتقد، كالفارابي والبيروني، والتصورات الكونية وغيرها لدى الفلاسفة القدماء. وينشئ لنفسه موقفاً تقدمياً أصيلاً، بالنسبة للعصر الوسيط، فيما يتعلق بنشأة الموسيقا وماهيتها.
لقد لعبت فلسفة فيثاغورس حول "تناسب الأفلاك" أكثر الأدوار سلبية في تطور الأفكار العلمية حول الموسيقا وعلم الجمال. وقد تبنى موسيقيو الشرق كثيراً من آراء القدماء وتأثروا بها، ووقع كثير من علماء وأساطين الموسيقا النظريين تحت تأثير آراء فيثاغورس الكونية، وكان ذلك إلى حد ما نتيجة لهيمنة أفكار اليونانيين القدماء في الشرق على مدى قرون عديدة. غير أن الدور الحاسم في هذا المجال كان للآراء الفلسفية العامة التي تبناها بعض المفكرين استناداً إلى الأفلاطونية الجديدة التي تقول بأن بداية هذا العالم الأرضي من أصل إلهي.
فمثلاً "إخوان الصفا" (في القرن العاشر) بحثوا نظرية تناسب الأفلاك بحثاً مفصلاً مستندين إلى فيثاغورس مؤسس هذه النظرية، ووقفوا على قوله في الفصل الخاص برسالته عن الموسيقا "بأن الإجرام السماوية، حين تتحرك تصدر طنيناً يشبه صوت العود".
"يقولون أن فيثاغورس الحكيم سمع بصفاء جوهر نفسه وذكاء قلبه نغمات حركات الأفلاك والكواكب، فاستخرج بجودة فطرته أصول الموسيقا ونغمات الألحان".
ويورد العالم جلال الدين الدواني (القرن 15) الفكرة نفسها فيقول: "من المتعارف عن فيثاغورس أنه استخلص مبادئ الموسيقا من أصوات السماء، وقال إنه ليس هناك أنغام أعذب من أصوات السماء.. وسبب الصوت.. لا يكمن في حركة الهواء الناتجة عن ضربة أو صدمة معينة، بل يمكن أن يكمن في سر الإشارة إلى العلاقة الأصيلة، القائمة بين الحركة السماوية المتسارعة والمتباطئة وتزامنها الخاضع لها"(2) (الدوائي، الأخلاقي والجلالي). من السهل الاقتناع بأن نظرية تناسب الأفلاك هي الموضوع الذي لم يستطع علماء القرون الوسطى في الشقين الأدنى والأوسط أن يضيفوا إليها أي جديد في مجال علم الموسيقا.
وقد جاءت تلك النظرية ذات الطابع الصوفي، مناقضة تماماً لمنجزات العلوم الطبيعية التي هيأت الأسس الفيزيائية والنفسية والفيزيولوجية لعلم الموسيقا.
كما ساعد علم الفلك في نشر التصورات الخاطئة حول نشأة الموسيقا. فمن خلال تجاهله لعلاقات السبب والنتيجة واعتماده على التصورات الذاتية الوجدانية والمصادفات، قد عمل عفوياً لمصلحة علماء اللاهوت، و"المتكلمين".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ* علاقة الموسيقى بالطب النفسي :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولقد أصبح العلاج بالموسيقى أحد أشكال الطب المكمل أو حتى البديل ، إذ أسهمتالموسيقى فى استعادة وتحسين الحالة الصحية والنفسية والفيزيقية والفسيولوجيةوالروحية للعديد من المرضى الذين يعانون من مشكلات تختلف فى طبيعتها وأسباب حدوثها. "2"
لقد ثبت علمياً أن ذبذبات الموسيقى تؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي، إذ تؤثركل ذبذبة أو أكثر على جزء ما بالمخ ، خاص بعصب ما ، مما يسهم فى إتاحة الفرصة للشخصالمستمع كى يسترخى ، وهو ما يشبهه العلماء بعملية التخدير الطبى، وتتيح هذه الحالةاستجماع الإرادة، للتغلب على مسببات الألم ، فيبدأ الجسم في تنشيط المضاداتالطبيعية والإفرازات الداخلية التي تساعد الجهاز المناعيوغيره على التغلب على مصدر الداء ومكانه ."3"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* علاقة الموسيقى بالشعر :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- كما ان الشعر يحتوي على التصوير فإنه يقوم على الموسيقي، والموسيقى الشعرية قسمان:
الموسيقى الخارجية: تتمثل في الاوزان العربية المعروفة والقافية.
الموسيقى الداخلية: تتمثل في التقطيع والتوازن والتكرار والتشكيل النسقي الايقاعي، وهي تتوالد من الموقف النفسي للشاعر«4».
والاوزان العربية تسعى الى ائتلاف نغمات الصيغ الصرفية والتركيب النحوي مع خط لحني ينتظم مع التفعيلات باحتمالات الاضرب والاعاريض والزحافات الممثلة خيارات واسعة الارجاء والالوان، ويمكن التمثيل بأوتار الآلة الموسيقية التي تعرف خامة مميزة واطوالا محددة ثم تضبط شدتها بحسب موقعها من السلم الموسيقي، واذا ماحدث تفريط او خلل في اي ركن بدت النغمة هشة او مؤذية للسمع.
وقد حفلت كتب القدماء بتفاصيل الدرس الصوتي والموسيقى، مثل كتاب الموسيقى الكبير للفارابي، وتملأ رفوف المكتبة اجزاء الاغاني للاصفهاني، وهو بحاجة الى دراسة مستفيضة في ادراك الصلة بين اللحن والكلمة، رغم التحليلات في عدة مصنفات معاصرة عنه.
ولإدراك العلاقة بين الخصوصية الدلالية واللحن الصوتي يظهر ايضا في التنغيم الصوتي للكلمات الذي يمنحها معاني اضافية، وكأنه بذلك يختزل مسرداً توضيحيا له مخاطره.
ان التنغيم الصوتي قد يغني عن اداة الاستفهام، كبيت عمر بن ابي ربيعة:
ثم قالوا: تحبها؟ قلت بهراً
عدد النجم والحصى والتراب
وربما يحمل التنغيم نفسه دلالتين متنافرتين على حسب النغمة الصوتية كما في هذا البيت:
شكوت فقالت: كل هذا تبرما
بحبي اراح الله قلبك من حبي
عبارة: اراح الله قلبك من حبي لها دلالات على حسب تنغيمها، دلالة تشير الى يقين وقناعة من القائل، وان اليأس من المحبوب احدى الراحتين، وربما دلالة العتاب التي تنضح منه موجدة وأسى أو حزن شديد، فالتنغيم كأنه إيقاع دلالي يكتنز دلالات كثيرة، و«إن النغمات بألوانها تمثل قدرات تنتقل بالسامع المثقف اطواراً نفسية وعندها يتحقق مانقل عن ابن عبد ربه بان الالحان والاوزان تعطي مالا تستطيعه الكلمات وعباراتها، لما يعتورها من مضايق المنطق والاعراف والاحكام الاجتماعية»«5».
والفارق بين الشعر والموسيقى: في ان الموسيقى تقتنص الزمن في تتابع تنظيمي، وهي لاتملك سوى الصوت، والشعر يعتمد على الكلمات، ويكسبها بالوزن نظاماً وايقاعاً ومن ثم فإن أداءه الفني يتدفق من ذلك التناسق النغمي، ومادة الموسيقى هي النغمات ومادة الشعر هي الالفاظ، ان الشاعر يمتلك عددا من الرنين الرقيق للغاية والمتنوع ولكن هناك فرقا بين هذا وبين النغمات الموسيقية بما فيها من ارتفاعات وانخفاضات وتواترات تستخدمها الموسيقى«6».
والموسيقى لا تملك سوى الصوت، والصوت لايملك التعبير عن الذاتي«7»، والمتلقي لايتلقى في الشعر الكلمات كأصوات في سياق معين من خلال الاذن فقط، بل يتلقاها ايضا كدلالات.
اما قدرة الشعر على بلوغ تأثير الموسيقى فأمر يبدو ان الشك يرقى اليه، وان كان الرأي الشائع انه قادر، فاذا حللنا عن كثب «موسيقية» الشعر ظهر لنا انها شيء يختلف كليا عن النغم في الموسيقى، فهي تعني ترتيب الانماط الصوتية وتجنب تتابع الحروف الصامتة او ببساطة، ايجاد تأثيرات ايقاعية معينة«8»، والايقاع يعني تكرار حدوث عناصر معينة داخل مسافات زمنية منتظمة التوزيع.
فالشعر كجنس ادبي يجمع بين بعض جوانب تأثير فنية الرسم في الصور البيانية وتأثير الايقاع الموسيقي في الاوزان والتنغيم الدلالي، وما اجمل ان تجتمع في ابيات تراكم الصور التشبيهية للمحبوب، فيرسم الشاعر بالكلمات ماتعجز ريشة الفنان عن بلوغ الانتشاء الذي تخلقه الى جانب التناغم الموسيقي للابيات، كما في قصيدة «الاطلال» لإبراهيم ناجي:
أين من عيني حبيبٌ ساحرٌ
فيه نبلٌ وجلالٌ وحياءْ
واثقُ الخطوة يمشي ملكا
ظالمُ الحسن شهيُّ الكبرياءْ
عبقُ السحرِ كأنفاس الربى
ساهمُ الطرف كأحلام المساءْ
مشرق الطلعة في منطقهِ
لغة النور وتعبيرُ المساءْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ