ساعدت كثرة الفتوحات في هذا العصر علي امتزاج العرب بالمدنيات المصرية والفارسية واليونانية ، مما أدي إلي الاهتمام بالموسيقي والغناء حيث أقام الأثرياء المحبين للموسيقي والغناء نواد أدبية وحلقات موسيقية ، وتميز هذا العصر بتطورات جوهرية في الموسيقي والغناء ، نذكر منها :
1 – اكتساب الغناء العربي بداية نظام صوتي مقامي آخذ من الفرس والإغريق .
2 – ابتعاد الملحنون عن وزن النشيد والقصيدة القديمة وأحدثوا إيقاعا لحنيا مستقلا عن الوزن الشعري مما أدي إلي إحداث نمط شعري موسيقي جديد مبتكر هو الرباعية شاعت من بعد في الأندلس .
3 – ظهور الغناء المتقن علي يد ( معبد ) الذي زاوج بين ماأخذه من الألحان الفارسية من نشيط الفارس ، والألحان العربية من سائب خاثر ، واستنبط ألحانا لها طابع جديد أطلق عليها ( حصون معبد )
4 – ظهور الأثر الفارسي في الموسيقي والغناء متمثلا في بعض الألفاظ الفارسية مثل ( بربط + عود ) ، ( دستان + موضع عفق الأصبع علي الوتر ) ( الزير والبم + وتران من أوتار العود ) .
خصائص الغناء المتقن :
أ – اعتماده علي المؤثرات الغير عربية وهو مظهر حضاري .
ب – ارتبط بالنوح ، الذي يميز الغناء الثقيل ، حيث كانت تلاحينه تعتمد علي الشجن والتطريب .
ج – التفنن في تلحين القصيدة الواحدة أو بعض أبيات منها ، فقد وصل عدد الحان أبيات من ( معلقة الأعشى ) أربعة عشر لحنا .
د – الإقبال علي تلحين الشعر العربي القديم إلي جانب تلحين الشعر الأموي المعاصر .
والي جانب الغناء المتقن ظهرت التصانيف العربية في أخبار الموسيقي والغناء ، ومنها ( كتاب النغم ) و ( كتاب القيان ) ليونس الكاتب وكانا مرجعا أساسيا لكتاب الأغاني الشهير للأصفهاني ، ونواه لما صنف بعد ذلك في هذا المجال في العصر العباسي .
أعلام الموسيقي والغناء في العصر الأموي :
1 – عزة الميلاء : ( توفيت 705 م ) ، كانت أشهر مغنيات هذا العصر ، تلمذت علي يد سيرين المصرية ، ومن بعدها نشيط الفارسي وسائب خاسر ، حيث أخذت عنهما الألحان الفارسية لتحولها إلي الحان ذات صبغة عربية ، فكانت أول من أدخل الغناء الموقع ( الموزون ) إلي الحجاز ، أجادت العزف علي آلة العود ، تلمذ علي يدها ابن سريج وابن مسجع .
2 – جميلة : توفيت عام ( 720 م ) ، أخذت الغناء عن سائب خاسر ، وانطلقت معه لتطوير الغناء العربي ، كما أسست أول مدرية موسيقية عربية ، وكانت تغني علي جوقة ( فرقة ) كبيرة وصلت إلي ( 150 ) قينة ، وكان بيتها ملتقي للمغنين والموسيقيين ، يتبادلون فيه المناقشات الفنية والآراء حول الغناء وألوانه .
3 – ابن مسجع : توفي عام ( 715 م ) ، أخد أصول الموسيقي ( طريقة الأداء والإيقاع ) عن العمال الفرس الذين كانوا يعملون علي بناء الكعبة ، وفي الشام تعلم الألحان الرومية ، وفي فارس تعمق في النظريات الموسيقية وأجاد العزف علي آلة العود ، ثم عاد إلي مكة بمزيج منم الموسيقي طوعه للأسلوب العربي .
4 – ابن سيريج : توفي عام ( 726 م ) ، بدأ كمطرب شعبي ، ثم تلمذ علي يد ابن مسجع حتى أجاد الغناء المتقن التقليدي ، ووضع مواصفات للمطرب الجيد وهي : " المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع الألحان ويملأ الأنفاس ، ويعدل الأوزان ، ويفخم الألفاظ ويعرف الصواب ويقيم الأعراب ويستوفي النغم الطوال ويحسن مقاطع النغم القصار ويصيب أجناس الإيقاع ، ويجتلي مواضع النبرات ويستوفي ما يشاكلها في الضرب من النقرات "