darخلال الثمانينات من القرن العشرين، أصبحت التكنولوجيات الجديدة أدوات في غاية الأهمية للموسيقى، بما في ذلك أجهزة التسجيل الرقمية، الأقراص المدمجة، أجهزة توليف الصوت، أجهزة جمع العينات، وأجهزة تنظيم التتابع. جاءت هذه الأجهزة كثمرة لتاريخ طويل من التفاعلات بين صناعة الإلكترونيات وصناعة الموسيقى، كما بين المخترعين الفرديين والموسيقيين أنفسهم.
يحوّل التسجيل التماثلي (الأنالوغ) طاقة الموجات الصوتية إلى طبعات مادية أو إلى أشكال موجية إلكترونية تتبع شكل الموجات الصوتية بالذات. من جهة أخرى يجمع التسجيل الرقمي عينات من الموجات الصوتية ويقسمها إلى تيار من الأرقام. ويقوم جهاز يدعى "محول الإشارات التماثلية إلى رقمية" (DAC) بعملية التحويل. من أجل معاودة الاستماع إلى الإسطوانة بعد تسجيلها مباشرة، يتم إعادة تحويل تيار الأرقام إلى موجة تماثلية من جانب محول الإشارات الرقمية إلى تماثلية. تضخّم الموجة التماثلية المنتجة من محول الإشارات الرقمية إلى تماثلية، وتغذى إلى مكبرات الصوت لتوليد الموسيقى.
أجهزة توليف الصوت، التي تسمح للموسيقيين بإنتاج أصوات موسيقية، بدأت تظهر في إسطوانات موسيقى الروك خلال أوائل السبعينات من القرن العشرين، ولكن تاريخها كان قد بدأ أبكر من ذلك. كانت الآلة الموسيقية الإلكترونية المعروفة باسم "الثرمين" أحد الآلات المهمة التي سبقت جهاز توليف الصوت، وهي آلة مولدة للصوت تستعمل الذبذبات الإلكتروينة لإنتاج الموسيقى.
شكلت آلة أورغن هاموند، التي أدخلت عام 1935، مرحلة مهمة أخرى من التفاعل بين الابتكار العلمي والتكنولوجيا الموسيقية. كان صوت آلة هاموند بي3 شائعاً في إسطوانات موسيقى الجاز، والإيقاع والبلوز، والروك أند رول. كان العازف يستطيع تغيير النبرة الموسيقية للأرغن من خلال أجهزة ضبط عرفت باسم "فاصلة النغمة"، وأضيفت إليها لاحقاً مجموعة متنوعة من أنماط الإيقاع والتأثيرات الفرعية.
شهدت الثمانينات من القرن العشرين إدخال أول أجهزة التوليف الرقمية الكاملة للصوت القادرة على تأدية العشرات من "الأصوات" في نفس الوقت. فمواصفات الترابط الرقمي للآلات الموسيقية (MIDI) التي أدخلت في عام 1983 سمحت بوصل آلات التوليف المصنوعة على يد مختلف المصنعين مع بعضها البعض. كانت أجهزة جمع العينات الرقمية قادرة على تخزين موسيقى مسجلة مسبقاً ومتوالفة في نفس الوقت. تسجل أجهزة تنظيم التتابع الرقمية البيانات الموسيقية بدلاً من الصوت وتسمح بإنشاء سلاسل متتابعة رقمية متكررة، والتلاعب بالأنغام الإيقاعية، وإرسال البيانات المسجلة من برنامج أو جهاز إلى برنامج أو جهاز آخر. تعتمد آلات الطبول على "وسادات طبلية"، يمكن للمؤدي أن يطرقها ويشغلها.
وفرت التكنولوجيا الرقمية للموسيقيين القدرة على إنشاء 128 بنية صوتية معقدة لإنتاج أصوات متوالفة متطورة لا وجود لها في أي مكان آخر في الطبيعة، ولاختيار والتلاعب بأي مصدر صوت، لإنتاج حلقات صوتية يمكن التحكم بها بدقة عظيمة. بوجود معدات وبرامج موسيقية مدمجة ومحمولة وبكلفة معقولة، أصبح من الممكن إنشاء ستوديو تسجيل في أي مكان. ومع اكتساب الموسيقي الفردية سيطرة أكبر وأكبر على إنتاج الإسطوانات الموسيقية الكاملة، أصبحت تتلاشى بالكامل التمايزات بين مؤلف الموسيقى، والمؤدي (المغني)، وأحيانا المنتج.
في كل مرحلة من مراحل تطوير الموسيقى الشعبية، فتحت التكنولوجيات الجديدة إمكانيات خلاّقة للموسيقيين، وخلقت مجموعة أوسع من الخيارات المتوفرة للمستهلكين. درجنا على الاعتقاد بأن التكنولوجيا تشكل عامل تغيير. لكن في بعض الحالات، أتاحت التكنولوجيات الرقمية الجديدة للموسيقيين التنقيب عن الماضي الموسيقي واستخراجه. فالموسيقيّ التقنيّ، موبي، قام بنفس هذا الأمر في ألبومه "بلاي" الذي أصدره عام 1999، والذي حقق أفضل المبيعات عندما جمع عينات من أقسام أغان أدتها بيسي جونز المغنية من جزيرة سي آيلاند بولاية جورجيا، من بين مغنين آخرين.
في القرن الواحد والعشرين، تستمر التكنولوجيا بالتأثير على كيفية صناعة، وتسجيل، واستنساخ، وتسويق الموسيقى الشعبية واستمتاع المستمعين بها. جرى إدخال معيار جديد لصنع الموسيقى الرقمية عام 1992 بواسطة نظام "أليسيس أدات" (Alesis ADAT). يكمن جوهر هذا النظام في جهاز توليف/تسجيل رقمي بثمانية مسارات يمكن توسيعها إلى 128 مساراً من خلال زيادة وحدات إضافية. كان هذا يعني أن بإمكان المستهلك إنشاء استوديو أساسي في المنزل بكلفة ضئيلة نسبياً، بينما يستطيع المحترفون استعمال نفس التكنولوجيا لإنشاء مرافق صوتية رقمية متطورة جداً.
شهدت التسعينات من القرن العشرين إدخال برامجيات موسيقية، مثل برنامج بروتولز الذي يشغل على أجهزة الكمبيوتر الشخصية. سمحت هذه البرامجيات لمهندسي التسجيل والموسيقيين بكسب سيطرة أكبر على كل عنصر أساسي من الصوت الموسيقي، بما في ذلك ليس درجة النغم ودرجة السرعة فحسب، وإنما أيضاً نوعية صوت المغني أو نبرات العازفين على الآلات الموسيقية. ارتكزت إحدى شكاوى بعض الموسيقيين من برمجيات "بروتولز" (Protools) وبرمجيات الكمبيوتر المشابهة على أنها تسمح بتصحيح الأخطاء الموسيقية، بما في ذلك استبدال الألحان والجمل الفردية، وبتغيير الهوية الصوتية للمغني. من وجهة النظر هذه، فإن "عدم الكمال" هذا يمثّل جزءاً ضرورياً من الموسيقى كشكل من أشكال التعبير الإنساني.
[اقتبس هذا المقال من كتاب "الموسيقى الشعبية الأميركية: من الغناء على أنغام الغيتار إلى أم بي3" بقلم لاري ستار وكريستوفر واترمان، نشرته دار نشر جامعة أوكسفورد، حقوق النشر محفوظة (2003، 2007)، وقدمه مكتب برامج الإعلام الخارجي على شكل نشرة موجزة