إن منشأ الالتباس الذي جعل البعض يدعي بأن في القرآن ألحانا موسيقية يعود إلى الخلط بين الموسيقى اللغوية والموسيقى الصوتية، فمما هو متفق عليه لدى المتخصصين أن كل لغة من لغات العالم لا تخلو من موسيقى لغوية تختلف درجة زخامتها من لغة إلى أخرى، ولكن الموسيقى اللغوية ليست هي الموسيقى الصوتية التي تعتمد على عنصري الإيقاع والنغم وتصدر عن الآلات الموسيقية بأنواعها الثلاثة الرئيسة:
1 - الآلات الوترية.
2 - والآلات الإيقاعية.
3 - والآلات الهوائية.
وإذا كان بين الموسيقى اللغوية والموسيقى الصوتية تشابه كبير فإن بينهما من الخلاف ما هو أكبر، فالموسيقى اللغوية مدارها على طريقة بناء الكلمة وتركيب الجملة وكيفة نطق الحروف حسب المتعارف عليه في كل لغة، بينما تقوم الموسيقى الصوتية على التوافق الصوتي الخالص بين الألحان، بينما لا تقوم اللغة على التوافق الخالص في كل الحالات، فقد توجد كلمات لغوية ليس بين أحرفها توافق أصلا بل يوجد بينها تنافر قد يصل إلى حد يجعل نطقها يستعصي على اللسان لما بين أحرفها من تنافر شديد، ومثالها في اللغة العربية "مستشزرات " و " الهعخع" بينما لا يمكن أن تعتبر الألحان " موسيقى" إلا إذا قامت على عنصري التوافق والانسجام التامين الذين لا يشوبهما تنافر أونشاز.
ويزداد زخم الموسيقى اللغوية في الشعر – وهذا سر من أسرار استحسان النفس له – شأنه في ذلك شأن اللغة العربية عامة، حيث ذهب كثير من الباحثين إلى أن اللغة العربية تمتاز من بين لغات العالم بخصوبة موسيقاها اللغوية وطغيان هذه الموسيقى إلى درجة أن أحد الباحثين قال بأن " كل كلام عربي يمكن أن يحول إلى رموز موسيقية تتشابه وتختلف وتتكرر وتتناظر حتى يتألف من مجموعها قطعة موسيقية" وهذا لا ينفي أن اللغات الأخرى لا توجد فيها موسيقى لغوية تصل من التجانس إلى الحد الذي يجعلها مجالا خصبا لأن يستلهم منها بعض الفنانين ألحانهم الموسيقية، فقد كان الموسيقار الروسي " موسورسكي " – حسب ما قاله الدكتور فؤاد زكريا - يستلهم أكثر ألحانه من إيقاعات اللغة وتنغيم أصواتها . بل ذهب بعض الدارسين إلى أبعد من ذلك حيث قالوا بأن القدرة الصوتية اللغوية هي أصل الموسيقى، في حين ذهب آخرون إلى العكس فادعوا بأن الموسيقى هي أصل اللغة؛ لأن الموسيقى لغة طبيعية يفهمها الجميع. وهذا ما يبين قوة الترابط بين اللغة وبين الموسيقى