قدم الموسيقار محمد القصبجى أعمالاً سابقة لعصرها في الأسلوب والتكنيك ، وأضاف للموسيقى الشرقية ألواناً من الإيقاعات الجديدة والألحان سريعة الحركة والجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال ، والتى تتطلب عازفين مهرة على دراية بأسرار العلوم الموسيقبة ، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقى، كل هذا أدى إلى ارتفاع مستوى الموسيقى والموسيقيين أيضا، وبالإضافة إلى الأجواء الرومانسية الحالمة التى أجاد التحليق فيها اكتسبت ألحان القصبجى شهرةً واسعةً وجمهوراً عريضاً ويمكن القول بأنها حملت أم كلثوم إلى القمة.
كانت أصوات أم كلثوم و فتحية أحمد و أسمهان بالنسبة إليه وسائط جيدة قدم من خلالها ما أراد للجمهور ، وقد ساهم هو في صنع تلك الأسماء بلا شك، أما موسيقاه التى لم تقترن بأصوات كمقدمات الأغانى وما تخللها من مقاطع أو كمقطوعات موسيقية فقد جسدت مثالاً لما يطمح إليه من تطوير وقد برع في تقديم أفكار موسيقية جديدة فتحت الباب للتنويع والابتكار.
ومن مقطوعاته الموسيقية مقطوعة بعنوان ذكرياتى غير فيها القالب التركى القديم من ميزان السماعى إلى إيقاعات متنوعة وإن احتفظ فيها بالتسليم الذى تعود إليه الموسيقى في النهاية ، وتباينت مقاطعها بين الوحدة الكبيرة والعزف المنفرد على العود غير المصحوب بإيقاع ، وفى النهاية مقطع شبيه باللونجا ، وتطلبت تكنيكا جديدا في العزف وهى مقطوعة قلما لا يعرفها عازف عود أو كمان.
وللقصبجى أسلوب فريد اتسم بالشاعرية وقد اختار لألحانه أفضل الكلمات وأرقها ، وقد اجتذب على الأخص جمهور المثقفين والطيقة المتوسطة التى كانت آخذة في النمو في ذلك الوقت،
وعلى طريق تطوير الأداء الموسيقى استخدم القصبجى آلات غربية مستحدثة على التخت الشرقى فأضاف صوت آلة التشيللو الرخيم والكونترباص المستعملتين في الأوركسترا الغربية من العائلة الوترية ذات الحجم الكبير ، وهذه الآلات لا تصاحب المغنى في أدائه على عكس بقية أعضاء التخت ، وإنما تصدر نغمات مصاحبة في منطقة الأصوات المنخفضة مما يعطى خلفية غنية للحن الأساسى ، مما أعطى عمقا لأداء الفريق لم يعهد من قبل في الموسيقى الشرقية التى طالما اعتمدت على التخت الشرقى البسيط المكون عادة من العود والكمان والقانون والناى بالإضافة إلى آلة إيقاع، وهذه الإضافة تدلنا على أن محمد القصبجى كانت له طموحات موسيقية جاوزت حد التلحين والغناء وأنه أراد تطوير الأداء وتقديم الجديد في الموسيقى
كان محمد القصبجى صاحب مدرسة خاصة في التلحين والغناء ولم يقلد أحدا في ألحانه، وقد صنع في ألحانه نسيجاً متجانساً بين أصالة الشرق والأساليب الغربية المتطورة فكان بذلك مجددا ارتقى بالموسيقى الشرقية نحو عالم جديد ، واهتم كثيرا بالعنصر الموسيقى إلى جانب العنصر الغنائى في أعماله.
وكما هو الحال مع الرواد فإن ألحان القصبجى ما زالت تردد لليوم ، وكثير من أغانى القصبجى شائعة ومحبوبة لخفة ألحانها ورشاقتها وسهولة أدائها ، وقد لا تتعرف الأجيال الجديدة على أسماء الملحنين القدامى رغم تعرفها على أغانيهم ، لكننا هنا نلقى الضوء على أسمائهم وأعمالهم حتى تكتمل المعرفة ويرد الجميل إلى صاحبه ، ومن أشهر ألحان القصبجى يا بهجة العيد السعيد ، مدام تحب بتنكر ليه ، ورق الحبيب لأم كلثوم ، وليت للبراق عينا وإمتى ح تعرف لأسمهان، أثبت محمد القصيجى قدرته على تغيير الفكر الموسيقى وأسلوب الأداء بما يجعل إضافاته أساسا بعد ذلك يأخذ به من بعده ، وسجل بذلك اسمه في سجل الخمسة الكبار