ناصر مخول يعزف تاريخ الآلات الموسيقية
توّج الفنان ناصر مخول مسيرته الطويلة في عالم الآلات الموسيقية والرقص الفولكلوري اللبناني في العام 2003، بإقامة أول متحف في العالم يضم الآلات الموسيقية عبر التاريخ، وقد صنع نماذج لهذه الآلات في مشغله، مستنداً إلى الوثائق والصور والمستندات التي جمعها من رحلاته في العالم، وإلى دراسة التحاليل الموسيقية وفلسفة الموسيقى عبر التاريخ، من خلال الكتب والموسوعات الموجودة في أكبر المتاحف العالمية.
بعد 1200 ساعة عمل ووضع الخرائط حول تفاصيل الآلات ومقاييسها، أنجز مخول معظم الآلات الموسيقية التي كانت سائدة في بابل ومصر الفرعونية وأثينا وروما وجبيل، وعرضها في متحف هو الأول من نوعه في العالم، وقد استقطب اهتمام الموسيقيين والقيّمين على التراث في لبنان والعالم.
مجلة «الجيش» زارت متحف ناصر مخول صاحب المواهب المتعددة التي وضعها في خدمة التراث الإنساني والوطني.
مسيرة فنان عاشق للتراث
على طريق «القادومية» بين قريته جون ومدرسة دير المخلص، بدأت الحكاية. حمل ناصر مخول ناي القصب ورافقه ليقصر المسافة إلى المدرسة التي لم يكن يرغب في الذهاب إليها، فنشأت بين الصديقين قصة حميمة. هذا الناي رفيق الدرب، رسا على شفتيه ليدخل النغمات في قلبه وذاكرته بدل كتاب التاريخ والجغرافيا والاستظهار والإنشاء والحساب، فكان الحساب أملاً بالنجاح وهدفاً للإبداع في الفن، فحمل رايته ليصبح واحداً من محرّري الثقافة الشعبية.
بدأ مخول مسيرته الفنية عضواً في الكورس وراقصاً في فرقة جون الشعبية، تحت رعاية ابن بلدته نصري شمس الدين. استقى بالتالي روحية الفن الرحباني وعمل رسّاماً في مصلحة الإنعاش الاجتماعي. ولما كان عاشقاً للفن الفولكلوري ومحرّراً للثقافة الشعبية، كلفته دائرة استقبال الشباب في «المجلس الوطني لإنماء السياحة» في لبنان، تأسيس «الفرقة الفولكلورية السياحية اللبنانية»، وكان ذلك في العام 1968. وبدأت الفرقة إحياء المهرجانات السياحية واستقبال البواخر التي كانت تزور لبنان قبل إتمام رحلاتها في مياه البحر المتوسط. حملت الفرقة تراث لبنان ناقلة واقع شعبه التاريخي والحضاري والفني إلى العالم. شملت العروض: الآلات الموسيقية التراثية، الغناء الشعبي، الملابس الشعبية، الشِعر الشعبي، التراث الريفي، الألعاب التقليدية والرقص الشعبي.
وكان مخول خلال المهرجانات حريصاً على تقديم تراث لبنـان الموسيقي عبــر «بـزق بيروت» و«شبابة مرجعيون» و«عنّيزة جزين» و«مجوز زحلة» و«مزمار بعلبك» و«زمر عكار» و«ناي جبران» و«طنبورة طرابلس» و«طبلة جبيل» في موازاة المشاهد الغنائية والراقصة.
انطلق ناصر مخول بفرقته يحيي أسابيــع لبنانية ومهرجانات ثقافية في جولات بلغت حتى اليوم 173 رحلة، معظمها على أجنحة الأرز (طيران الشرق الأوسط)، إلى مدن وعواصم في 37 بلداً من أربعة أقطار العالم.
عدا فرقته، شارك ناصر مخول (مع الشبيبة الموسيقية) في حفلات لدى عدد من الجامعات البلجيكية والفرنسية. وهناك تعرّف بالباحث الموسيقي المستشرق الفرنسي جان - كلود شابرييه الذي أصدر له أسطوانتين: «موسيقى الأغاني الشعبية اللبنانية» و«بُزُق من لبنان»، وعلى هذه الأخيرة نال الجائزة الأولى في مجموعة «آرابيسك» بين عدد من العازفين على آلات شرقية.
وباشتهار ناصر مخول «شاعر الآلات الموسيقية»، شارك في معرض الآلات التراثية في العالم (بواتييه - فرنسا 1983) ونال تهنئة خاصة من ضيف المؤتمر يومئذ محمد عبد الوهاب، كما شارك، باسم لبنان، في احتفالات كثيرة، أبرزها: «المهرجان الموسيقي للدول الفرنكوفونية» (بلجيكا 1974)، «الليلة اللبنانية في مبنى الأمم المتحدة» (نيويورك 1979) مع السيدة ناديا تويني، «المعرض الثقافي العربي» (بريمان - ألمانيا 1891)، «المؤتمر العالمي لأندية الليونز» (هونولولو 1983)، «مهرجان الثقافة الموسيقية» (موسكو 1990)، «ليلة موسيقى من لبنان» (جدة 1998)، مهرجان «نغنّي لبنان» (سيدني 2003).
وهكذا بات في مفكرة ناصر مخول حتى اليوم: إحياء 180 مهرجاناً سياحياً وثقافياً ومؤتمراً (في لبنان والخارج)، متابعة عشر دورات في لبنان والخارج للتخصص في حقل التراث الشعبي، 15 شهادة تقدير للمشاركات الثقافية الموسيقية، 22 ميدالية ووساماً ودرعاً تقديرياً، 140 مستنداً بصرياً وسمعياً عن الفنون التراثية، و286 مقالاً صحافياً عن الفرقة ورحلاتها.
منصور الرحباني:
بوفاة منصور الرحباني الثلاثاء عن اربع وثمانين عاما فقد لبنان علما من اعلام التجديد في الموسيقى والشعر والمسرح في العالم العربي تجلى خصوصا في نتاجه المشترك مع شقيقه عاصي الذي توفي العام 1986.ويقول الشاعر اللبناني بول شاوول لوكالة فرانس برس "خسرناه انه اخر الكبار في زمن الصغار. لقد انضم منصور الى نصفه الأخر شقيقه عاصي".وكان منصور قد شكل مع شقيقه الاكبر عاصي ما عرف في تاريخ الموسيقى العربية ب"الأخوين رحباني"اللذين قدما الكثير من الاغاني والاوبريت والمسرحيات الغنائية التي اشتهرت في العالم العربي.
وكانت فيروز المطربة اللبنانية الاشهر زوجة عاصي البطلة المطلقة في اعمالهم التي احيت التراث الوطني ونقلت اجواء القرية اللبنانية الى العالم.
ويتابع شاوول "لا يمكن الكلام عن منصور وحده. هناك ما يسمى بالاخوين رحباني اللذين احدثا ثورة موسيقية وغنائية كبيرة شكلت الامتداد التجديدي لرواد الموسيقى العربية (...) كذلك ساهما في الحداثة الشعرية ولم يكونا مجرد مؤلفين لاغان بل جددا القصيدة الغنائية".
ويضيف شاوول وهو كذلك كاتب مسرحي وصحافي "تجديد المسرح الرحباني لا يقل عن التجديد في الموسيقى والشعر. المعمارية المسرحية التي حققاها ضمن ما سمي بالصيغة الرحبانية حولت التاريخ الى اسطورة والواقع الى حلم والحلم الى واقع والنوستالجيا الى ما يشبه الحلم".
ويقول الشاعر والصحافي اللبناني عقل العويط لوكالة فرانس برس "عاصي ومنصور جعلا الموسيقى اللبنانية والعربية تنتمي الى عالم الحداثة والشعر اللذين يتخطيان الزمن الذي ولدا فيه".
وتقول المسرحية اللبنانية نضال الاشقر "ان منصور شكل مع عاصي وفيروز مدرسة مميزة اعادت احياء الاغنية والتراث القديم واحدثت تغييرا جذريا في الاغنية الحديثة".
وتضيف لوكالة فرانس برس "ابتدعا الاوبريت المرتكزة على القرية اللبنانية في اكثر الاحيان واستمدا الكثير من تاريخ العرب بتجسيد شخصيات مثل الامير فخرالدين (لبناني) وزنوبيا ملكة تدمر".
وتتابع الاشقر "منصور شاعر كبير وانسان استطاع ان يستمر حتى اخر حياته في العطاء والابداع".
ولا تزال اخر اعمال منصور "عودة طائر الفينيق" تقدم على مسرح كازينو لبنان.
ولم تتوفر حتى الان معلومات عن موعد تشييع منصور.
اول مسرحية قدمها منصور بعد وفاة عاصي هي "صيف 840" ومن ابرز اعماله اللاحقة "الوصية" و"ملوك الطوائف" و"المتنبي" من بطولة غسان صليبا وكارول سماحة ومسرحية "حكم الرعيان" من بطولة الفنانة التونسية لطيفة ومسرحية "سقراط" من بطولة رفيق علي احمد.
عاش منصور وشقيقه الراحل عاصي طفولة بائسة قبل ان يشتهرا في عالم الفن.
في كتابه "الاخوين رحباني طريق النحل" ينقل الشاعر اللبناني هنري زغيب عن منصور قوله "تشردنا في منازل البؤس كثيرا. سكنا بيوتا ليست ببيوت. هذه هي طفولتنا". بدأت علاقة الاخوين رحباني بالموسيقى باكرا. فوالدهما حنا كان يعزف البزق في احد مقاهي انطلياس مسقط رأسهما.
ويضيف زغيب نقلا عن منصور "تأثرنا بطفولتنا باغاني عبد الوهاب (...) الا اننا حين بدأنا التأليف والتلحين بدأنا لا نشبه احدا. جاء عطاؤنا منذ البدايات مميزا ومغايرا".ويروي زغيب ان منصور التحق في مطلع شبابه بسلك الشرطة كما عاصي لكنهما اخفقا في سلك الوظيفة ونجحا مطلع الاربعينات في اعمال موسيقية ومسرحية "بدأت في انطلياس (...) ثم المقاهي في بلدات الاصطياف".
وتعرف منصور وعاصي على فيروز في الاذاعة اللبنانية العام 1949 وباشرا بتأليف الاغاني وتلحينها.
قدما اول اعمالهما "ايام الحصاد" 1957 في اطار مهرجانات بعلبك (شرق لبنان) الدولية.
ومن ابرز مسرحياتهما المشتركة "موسم العز" (1960) و"جسر القمر" (1962) و"بياع
الخواتم" (1964) التي تحولت لاحقا الى فيلم سينمائي و"دواليب الهوا"
(1965) و"ايام فخر الدين (1966) و"جبال الصوان" (1969) و"صح النوم" (1971)
و"قصيدة حب" (1973) و"لولو" (1974) و"ميس الريم" (1975) و"بترا" (1977).
اضافة الى فيروز تعاون الاخوان رحباني مع مطربين لبنانيين كبار ابرزهم وديع الصافي وزكي ناصيف والراحلين نصري شمس الدين وفيلمون وهبي.