منذ بدأ الإنسان محاكاته البدائية الأولى لبعض أصوات الطبيعة، ولتمثلها، كأصوات الرياح والمطر والموج والأشجار والحيوانات، فقد وجد فيها أسلوبا للتواصل الغير لفضي مع قوى ما وراء الطبيعة، والتي كان بيدها، حسب اعتقاده الهيمنة على وجوده ومصيره
كانت طقوس المعالجة، وربما ما زالت، تتألف من الموسيقي والضرب الإيقاعي والغناء والرقص وتجري بإشراف الساحر الممتلك مفاتيح التواصل مع " الأرواح
وبرز في الحضارة اليونانية اتجاهان متناقضان في هذا الشأن. فمع أن الحضارة الإغريقية بفلسفتها الباردة، إلا أن اليونانيين كانوا يؤمنون أن الموسيقى والآلات التي يعزفونها عليها هي عطية من آلهتهم حتى يحمدوها من خلالها لخلقهم على شاكلتها وصورتها. وكانت التعاويذ والغناء والموسيقى جزءا أساسيا في الطقوس اليونانية القديمة ثم في الطقوس المسيحية من بعدها. وفي القرن الخامس قبل الميلاد وفي أكثر من أربعمائة معبد لأسكليبوس / إله الشفاء/ كانت الوصفة العلاجية تتضمن طقوسا للتطهير وحمية معينة وعقاقير منومة مع خلفية من الموسيقى كجزء تكاملي في فترة النوم والأحلام
ومن جهة أخرى طور الفلاسفة اليونان أفكارا ذات محتوى عقلاني وعلمي حول الموسيقى والطب، فعزى كاسيودور وأفلاطون وأرسطو خواصا وجدانية معينة للأنماط المختلفة من الموسيقى. وأدخل أفلاطون في " الجمهورية" الفكرة القائلة أن ألحانا من نوع معين وآلات وايقاعيات بعينها لها أثر على النفس الإنسانية، فقدم اقتراحات بوصفات موسيقية خاصة ببعض التغيرات المزاجية كالحزن والأرق
هذه العناصر من المفهوم الإغريقي للعلاج بالموسيقى بوصفه نوعا من العلاج النفسي ذي التأثير الروحي والبدني، لم تكن ظاهرة منعزلة، فمن اللافت للنظر أن جميع الاتجاهات الإنسانية في المعالجة تضمنت الموسيقى أما كعلاج ذي تأثير نوعي أو كطريقة معالجة غير مباشرة التأثير
ظهر هذا الاتجاه في بــغـــداد في القرن الثامن الميلادي وفي دمــشــق في القرن التاسع، ثم في القاهرة و فاس وغيرها من المدن العربية. وفي أوائل القرن الثاني عشر كان المسافرون العائدون إلى أوروبا من الشرق الأوسط يتحدثون عن مشاهدتهم لأساليب في المعالجة إنسانية الجوهر والممارسة، تتضمن في جزء رئيسي منها عزفا لقطع موسيقية بآلات مدوزنة بطريقة خاصة لا تتنافر وأعصاب المرضى. وهذا مجرد مثال على التعامل بإنسانية وحنان في تلك المؤسسات القديمة