الموسيقى لغة عالمية واحدة تتكون من الحروف نفسها.. لكنها تتعدد بتعدد الشعوب التي تستخدمها.. ويتغير لونها ومذاقها من شعب لآخر؛ حتى لتظنها لغات كثيرة، لا لغة واحدة.. ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى هذا الاختلاف طبيعة الشعوب، والآلات التي تستخدمها في موسيقاها، والقوالب الفنية التي تصب فيها هذه الموسيقى.
والآلات الأساسية في الموسيقى العربية هي: العود، والكمان والقانون، والناي، والدف، والطبلة، والرباب .. وكان يطلق عليها اسم "التخت العربي".. ويشير الدكتور "خيري الملط" في كتابه: "تاريخ وتذوق الموسيقى العربية" (الهيئة المصرية العامة للكتاب-الطبعة الأولى2000) إلى أن التخت كلمة فارسية الأصل ومعناها "العرش"؛ لأن العازفين كانوا يجلسون على مكان مرتفع عن الأرض في أثناء العزف.. وقد ظهر التخت العربي كفرقة موسيقية
نشأت الموسيقى العربية في تفاعل حركي وانسيابي لتبادل الحضارات. كان يقيم وينظر وقتها إلى المزيج الفني المتأثر بالعناصر الرومانية والفارسية والهندية والأندلسية معا كإثراء وتوسيع وليس كاعتماد محض. مثل هذا التقييم تماما في حقبة التقاء الحضارة العربية بالمسيحية والعبرية، تم التبادل مع الغرب كاستثمار في المستقبل على النقيض من تطور هذا العصر، الذي يتفحص فيه بمقاييس عنصرية لا يتفق فيها المسلمون والمسيحيون واليهود على تركه حضارة مشتركة. انعكس هذا التقييم اليوم على الحقل الموسيقي وامتد تأثير المنظرين في رفضهم لحقبة التعايش معا وقتها في عالم متباين .
منذ دخول نابليون بونابرت مصر وتحديه التكتيكي والحربي كتفوق لقوى الغرب، ازداد طموح أوروبا في ريادة الحضارة بالعالم، فيما تقلص كيان وهوية المستعمر (العربي) الحضارية، وشرع في البحث عن كيفية التعامل مع الحضارة الوافدة الغربية (المغرية). لم يحظ العرب بمبدأ المساواة الحضارية، الذي ظلوا يصبأون إليه سدى فقد ضن الغرب به عليهم وظل وعدا محضا، لا يحقق "مقولة سيمفون فرويد في الاعتماد". منذ ذلك الوقت أخذ (الفلكلور) يحتضر ورمي بالنوتات الموسيقية في الأرشيف، إلا القليل منها، الذي يختص بالعادات والتقاليد وبالموسيقى المحلية في تلك المرحلة، كان اليمن الدولة العربية الوحيدة بالوطن العربي المستعمر التي حافظت على تراثها الموسيقي. توجهت مصر نحو الغرب " مودنرزم" بناء على توجهات محمد علي باشا، الذي شيد خمس مدارس موسيقى عسكرية، بأساتذة لفن العزف على النمط الأوروبي بآلات صفيح وخشب.
جديدا وغريبا كان على المصريين وقتها كلاًَ من الميلودك والهارمونيك والتكنيك، والآلات الموسيقية، والتركيز على النوتات.شيد في عهد إسماعيل باشا دار الأوبرا، وأفتتحت ب Rigoletto ل Verdi كما توج افتتاح قناة السويس ب Aida وقدمت الفرق الموسيقية، وانسمبل الأوبرا الإيطالية، وكلا من فرقة الأوبريت الأوروبية، والأوركسترات عروضا موسيقية عدة، لمدة عام بحاله، ودرست ابتداء من عام 1920 نظريات الموسيقى الغربية، وعلم الهارمونك وال Konta ، والعرض العملي، في كل من مدارس Berggrün ، و Tigermann و Szula الموسيقية. ظهر العرض المصري الأول لموسيقيين مصريين، بقيادتهم للأوبرا والسيمفونيات وأل Nokalstik . في نهاية القرن العشرين نشأت آلات موسيقية عربية بأجزاء غربية وشرقية مدمجة، لا تزال متداولة إلى اليوم. كضرب من التقدم كان ينظر ويتذوق مثقفو العصر الموسيقى الغربية، فيما ظلت الموسيقى المحلية مهملة، وعم وقتها مصطلح "الموسيقى العالمية" في مصر، كذروة للإنتاج الفني، الذي لا يعني سوى ( تقمص فن الموسيقى الغربية ) . ارتبط مصطلح الموسيقى العالمية اليوم ( بالموسيقى الأمريكية )، فيما يطلق الغرب ـ على الموسيقى خارج نطاقه مصطلح ( الموسيقى العالمية ).
لم تستحوذ الدول العربية على الموسيقى الغربية كنتاج خاص بها، وإنما تبنتها، وكيفتها هناك طبقة متميزة يشدها الانتماء إلى الحضارة الغربية.
بظهور سيد درويش ( ابن ثورة 1919 م ، حدثت الموسيقى بمصر، فله تنسب Harmonie الموسيقى المصرية، وإخراج الملوديا والمقام ، بما يناسبهما من السلم الغربي، كما ينسب إليه إبداع أول Polyphonen ( أصوات متعددة ) بالفاصل الموسيقي الواحد.
تلى سيد درويش محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش اللذان دمجا في أعمالهم الموسيقية ( Rythmun ) الراقصة والملوديا الغربيتين، والآلات الموسيقية، كما مثل كل من Lili و Haladi وسالم نجوم الفلامنكو العربية، واشتهرت في المغرب أغانيهم التنقو Tango ، إلى جانب الأغاني المصرية ، وبثت في الإذاعة وعرضت بالأفلام حتى الستينات. لم تكن هذه الأعمال غريبة على الأذن العربية، لكونها نتاج حقبة ( مألوفة ) انصهرت فيها الموسيقى المحلية بالموسيقى الأوروبية الأجنبية، المتداولة والمعروفة بالفعل في تلك البلدان. في المقابل سميت الموسيقى المحلية ب ( الأصيل ) الخالص من الأثر الأجنبي.لقد تأصلت الموسيقى العربية منذ القرن الخامس عشر الميلادي، بآلاتها الصوتية، والنوبة الأندلسية، والمقام العراقي، والوصلات. في مطلع القرن العشرين بدأ العرب في تحديث الموسيقى المملوكية ( 1258 م) حيث ظهرت أم كلثوم كرائدة لإحياء التراث الموسيقي العربي الكلاسيكي. في الستينات مثلا بدأ إحياء شعر ( الملحون) في المغرب والذي يرمز إليه بـ ( Nass Al Giwan ) . وفي نهاية السبعينات حدثت موسيقى ( الرى) ( بملوديا وبإيقاع عصري ) كتجاوز ومجابهة للحضارة المحلية الحديثة. ظل هذا الاتجاه الموسيقي يقيم كنتاج خاص وخالص، بالرغم من التكنيك الحديث، وإتباع النسق الموسيقية المبتكرة، التي توحي فيها دوما إلى العادات، وإقصاء الموسيقى من (الجمالية) باعتبارها تفاعلا مع الأرث منذ القرن التاسع الميلادي ظلت أوروبا توثق صلاتها بالمشرق الأندلسي القديم، مسترفدة منه النظرية الموسيقية، والعروض العملية، وعليه تعرف الغرب، واستفاد من فحوى المخطوطات العربية كورثة لنظرية الموسيقى الإغريقية.
تحقق هذا الرأي، كورثة للموسيقى البيزنطية، حينما هربت فئة من اللاجئين إلى الغرب، بسقوط القسطنطينية على يد العثمانيين، وعليه، في القرن السادس عشر، نشأت الموسيقى الأوروبية على الأسس الإغريقية القديمة. نجد بالمقابل أن ( الأوبرا التركية ) قامت كنقيض للموسيقى الأجنبية / الغربية / الإغريقية، حتى ذاع وقتها بأن ( المعرفة ) هي العودة إلى الصحراء، وHarem والخصيان والرقص الشرقي، والأذان بهذا التوجه ازدادت الهوة عمقا بين الشرق والغرب. لا يمكن وصف الموسيقى الشرقية وقتها ـ كما زعم ـ بالموسيقى الشرقية، أو التركية الخالصة، لأنها لم تقم إلا على أساس التبادل الحضاري الفني، وهي في توجهها الطارئ عليها ( موسيقى جديدة) فحسب، على أقصى الاحتمالات. يمثل القرن التاسع عشر، عهد تفوق الغرب عسكريا ـ نابليون بمصر- ومرحلة تشيد المعهد المصري، وفي الوقت عينه عهد ( إيهام المستعمر بالإذعان الحضاري، للوافد الغربي وإلغاء الهوية ( ادوارة سعيد ). يعتبر G.Nilloteau أول باحث موسيقي، درس خطط خصائص السلم الموسيقي المصري والآلات ، ومن ثم تلاه الباحث الألماني R. G. Kiesswetter " الذي درس الموسيقى العربية اعتمادا على المصادر الأصلية /1844 م جدير بالذكر أن أديسون قد إخترع Phonograph بعد 3 أعوام من بحوث Kiesswetter الموسيقية. وتوفر تسجيل صوتي للموسيقى العربية خارج أوروبا ، والتي وصفت وقتها ( بالموسيقى البدائية ). يمثل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عهد تحول ثقافي موسيقي، وتبادل جديد بين الشرق والغرب، إذ أطلق الموسيقيون على الموسيقى ( البدائية ) مثلا اسم الموسيقى ( الأخرى )، ونشأت البحوث الموسيقية كدراسة للموسيقى الشرقية المحلية، كتحدي، وعكس للهوية العربية في الأداء الموسيقي. لقد كان ماكس فيبر مثلا، و Georg. D. ، ينظران لمبدأ ( Entfremdung ) التغريب كمجابهة للآخر، وإستسلامه وخروجه عن أسس التفوق التاريخي، إلا أن آرائهم هذه رغم تعصبها إلى حد ما للحضارة الغربية، شجعت التعرف على حضارة الآخر والاعتراف بها. نذكر في هذا الصدد، مهرجان القاهرة الموسيقي 1932 بعهد فؤاد الأول، والذي أعلن فيه ضمنيا، وعمليا، مبدأ الاندماج / التناغم الموسيقي، وتلاقي التأثر والتأثير في Skale واحدة. بهذا حدد مفهوم الاندماج الفني في عالم واحد، مع التحفظ في الوقت عينه من الذوبان في الهوية الفنية المؤثرة. إن مفاهيم عديدة ( كثقافة عالم واحد) ، و( ثقافة واحدة طاغية وموجهة) تدعو إلى التريث في فهمها، وطريقة التعامل معها، وفق نصاب متعادل، يتيح لكل من الطرفين تفاعلهما. إن إدراك الغرب عبر التاريخ لدور الحضارات الأخرى وتأثيرها عليه، وتقبلها له، لم يكن نتيجة فقر ثقافي مثلما هو تفاعل مستمر مع الوافد، لإنتاج ثقافة / موسيقى خاصة به. إن العرب والشرق بشكل عام يخوضون الآن دوامة كيفية التعامل مع الحضارات / الموسيقى الأخرى المسيطرة بأمريكا / الغرب واليابان... إن هذا التحفظ متجدر في كل الحضارات إلا أن سلكه لا يعني سوى التعصب للثقافة/ الموسيقى المحلية خيفة بتر الوشائج بالتراث.
تاثير الموسيقي