نشأتهولد الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب في عام 1901 في قرية بني عياس – مركز أبو كبير – بمحافظة الشرقية بدلتا النيل بمصر وليس مثل ما تذكر العديد من المراجع أنه ولد بحي باب الشعرية بالقاهرة ، لكنه انتقل بعد ولادته بقرية بني عياص مع عائلته إلى القاهرة في حي باب الشعرية ليحفظ القرآن الكريم وهو في سن السابعة، حيث كانت البداية عندما كان يرتل القرآن بصوته العذب فشغف آذان الناس حتى ذاع صيته وتأثر بقرّاء القرآن الكريم من أمثال الشيخ “محمد رفعت”، والشيخ “علي محمود”، والشيخ “منصور بدران”.
ظهر مع منيرة المهدية في رواية ( شهرزاد ) كبديل لسيد درويش ، كما مثل وغنى معها أوبريت ( كليو باترا ) عام 1927 م ، حفظ التراث الغنائي القديم واستوعبه واختزنه في الذاكرة وسجل منه موشح ( ملا الكاسات ) لمحمد عثمان و أن ( أنا هويت ) لسيد درويش .
كان عبد الوهاب يغني للأطفال في الحارة، وفي ذات يوم استوقفه رجل بعد أن سمع صوته وأعجب به، وكان هذا الرجل هو “محمد يوسف” وهو من أشهر أعضاء الكورس في الفرق التي كانت تطوف البلاد والقرى والموالد.
ويذكر أنه بجانب التكوين الفني لمحمد عبد الوهاب من خلال تلاوة وتجويد القرآن الكريم وحضوره لحلقات الذكر وشهرات المنشدين الدينين ، كان منفتح الذهن والقلب وستلهم فكره وثقافته من أحمد شوقي والعقاد والمازني وطه حسين ، فكان صديقاً للجميع مع اختلاف أفكارهم ومعتقداتهم الثقافية والفكرية والأدربية ، وكان الفن لديه دائماً إحساس بالمسئولية .
أقام الشاعر الكبير أحمد شوقي حفلة في منزله “كرمة ابن هانئ” بمناسبة زفاف ابنه الأكبر “عليّ” وحضر الحفل الزعيم “سعد زغلول”، وكبار الأدباء والعلماء والساسة، وسمعوا عبد الوهاب وهو يغني، فوقفوا يتهامسون بأنه أمل الموسيقى الجديد.
وبعد أن أكمل عبد الوهاب تلحين رواية “كليوباترا” التي اقتبسها للمسرح “سليم نمله”، و”يونس القاضي” لفرقة “منيرة المهدية”، أصبح عملاق النغم الجديد “عبد الوهاب” امتدادا للعملاق الأول “سيد درويش”.
وفي عام 1932كان عبد الوهاب قد نضج واشتهر في كل أرجاء المعمورة والأقطار العربية، وذات ليلة عرض عليه “توفيق المردلي” صديقه الاشتغال بالسينما، وذهبا معا إلى المخرج “محمد كريم” مخرج جميع أفلامه.
وكانت أغاني عبد الوهاب في تلك الفترة هي “كلنا نحب القمر”، و”يا جارة الوادي”، “على غصن البان”، و”خايف أقول اللي في قلبي”، و”اللي انكتب على الجبين”، وتم اللقاء الذي أثمر أول فيلم غنائي للمطرب الأول في مصر، وتم إخراج الفيلم في باريس؛ لأن مصر لم يكن فيها استديو للأفلام الناطقة، وكان أجر عبد الوهاب في فيلم “الوردة البيضاء” 450 جنيها وقصة الفيلم قد اشترك فيها كل من “سليمان بك نجيب”، و”محمد كريم”، و”توفيق البردنلس” وشارك أيضا عبد الوهاب بأفكاره، وقام الشاعر “أحمد رامي” بتأليف أغاني الفيلم من ضمنها أغنية يا “وردة الحب الصافي”، ونجح الفيلم نجاحا كبيرا، وتوالت بعد ذلك الأفلام، ومن أشهر أغاني عبد الوهاب في أفلامه:
“النيل نجاشي إجري إجري”، و “ما أحلاها عيشة الفلاح”، و”يا وبور قولي”، و”أوبريت مجنون ليلى”، “المية تروي العطشان”، و”مشغول بغيري”، و”حكيم عيون”، و”حنانك بي يا ربي”، و”انسى الدنيا”، وقصيدة “الخطايا”، و”يا قلبي مالك محتار”، كما غنى عبد الوهاب للملك فاروق، وأيضا بعض الأناشيد الدينية بصوته.
وكان آخر أغانيه هي “من غير ليه”.
ومن الجدير بالذكر أنه كان يؤمن بفكرة أنه لا إبداع بغير صحة في الجسم تساعده على تحمل عبء هذا الإبداع وتساعد القعل على أن يعمل بصورة سليمة .
ولقد كان عبد الوهاب فناناً مطلعاً على ثقافات العالم الموسيقية ماضيها وحاضرها ، وكان سابقاً لعصره من خلال أفكاره الموسيقية التي ظل يطرحها حتى آخر أعماله.
تزوج الفنان محمد عبد الوهاب من السيدة نهلة القدسي، وأنجب منها أربع بنات، وولدا.
ولحن لمعظم المطربين وبعض المطربين العرب أكثر من 700 لحن، كما لحن لأم كلثوم والذي وصف لقاءاته بها بلقاء السحاب في أغنية “أنت عمري”، و”على باب مصر”، و”أنت الحب”، و”أمل حياتي”.
وكذلك لحن لـ”عبد الحليم”، و”كارم محمود”، و”نجاة”، و”فايزة أحمد”، وغيرهم من المطربين.
حصل عبد الوهاب على جوائز وشهادات تقدير، وكرمه الملك فاروق والرئيس عبد الناصر والرئيس السادات الذي أعطاه الدكتوراة الفخرية والرئيس مبارك، وكُرم من خارج مصر، فكرمه الرئيس بورقيبة، والملك حسين، والملك الحسن الثاني، والملك فيصل، كما حصل على دكتوراة فخرية من إحدى جامعات أمريكا.
ومن أهم التطورات التي أضافها محمد عبد الوهاب ( كما يذكر د نبيل شورة في كتابه قراءات في تاريخ الموسيقى العربية )1- لمسة غير شرقية في الغناء العربي منذ تلحينه لقصيدة ( يا جارة الوادي ) ، زادت الأغنية المصرية قوة في التعبير .
2- كسر الشكل التقليدي لتلحين القصيدة مثل ( الجندول ) ( الكرنك ) ( كليو باترا ) فلحن أجزاء كبيرة من القصيدة على شكل مسترسل وتمرد على الشكل الإيقاعي المستمر لها ، كما تخير من أبياتها ما هو مناسب لتأدية الليالي والمواويل المحددة .
3- تمرد على الأداء التقليدي للغناء فتخلص من الزركشة المبالغ فيها وأوقف ذلك على أداء القفلة المصرية التي هي ضرورة للغناء العربي .
4- قدم الأغنية القصيرة في السينما ( إنسى الدنيا ) ( بلاش تبوسني ) ديالوج ( حكيم عيون ) ( يادي النعيم ) مع الإيقاعات الراقصة .
5- قدم الأغنية الحديثة القابلة للمعالجة الهارمونية والتي عزفها الأوركسترا بشكل غربي ( أنا والعذاب وهواك ) ( عاشق الروح )
6- إضافة الكورال للغناء ( القمح الليلة )
7- القصيدة التعبيرية ( لا تكذبي ) ، وفيها يلقى الكلام بهدف التعبير عن معانيه أولاً ثم تأتي جماليات الغناء في الدور الثاني .
8- إضافة المقدمات الموسيقية الطويلة منذ تلحينه لأم كلثوم ( إنت عمري )
9- طور التخت من أربعة عازفين إلى أوركسترا .
10- اهتم بمظهر العازف في شكله وسلوكه .
11- ارتقى بمستوى الكلمات من خلال تعامله مع شعراء عظماء أمثال أحمد شوقي وأحمد رامي وعلي محمود طه وحسين السيد وغيرهم من كبار الشعراء .
12- تعامل مع الأغنية من حيث معناها مستعرضاَ المشاعر والأحاسيس الإنسانية ككل ، والمفهوم والإحساس الذي تعبر عنه بالإضافة للتطريب .
وهكذا فقد مثل الأستاذ الفنان محمد عبد الوهاب بألحانه وغنائه عصرا مزدهراً في الموسيقى العربية ، واستحق لقب موسيقار الأجيال فقد أطل بموسيقاه وفنه وعاصر حوالي ثلاثة أجيال واستوعب موسيقى من سبقوه وحفظ وغنى ولحن كل ألوان الغناء ، ودرس العلوم الموسيقية الأوربية ( الهارموني و الكونتربوينت ) علي يد أساتذتها في مصر ، هذا إلى جانب حفظه وترتيله للقرآن الكريم ، ودراسة الأدب والشعر على يد الرواد في هذا الفن من مصر .
ويذكر أن عبد الوهاب استخدم الآلات الموسيقية الغربية في العديد من أعماله ومنها:
1- استخدام آلة الجيتار الكلاسيكي في أغنية ( أنس الدنيا وريح بالك ) من فيلم ( رصاصة في القلب )
2- الجيتار الكهربائي لأول مرة في أغنية أم كلثوم ( إنت عمري )
3- الماندولين في لحن ( عاشق الروح ) من فيلم ( غزل البنات )
4- البيانو في قصيدة ( الحب والجمال ) من فيلم ( يوم سعيد )
5- الأوبوا في أوبريت ( مجنون ليلى ) من فيلم ( يوم سعيد )
6- الأكورديون في منولوج ( مريت على بيت الحبيب ) عام 1930م
7- استخدامه لمعظم آلات النفخ النحاسية بأنوعها المختلفة في الكثير من الأناشيد الوطنية ( الوطن الأكبر - الجيل الصاعد - الجهاد – صوت الجماهير – أصبح عندى الآن بندقية - حرية أراضينا - )وفاتهتوفي عبد الوهاب عام 1992م عن عمر تجاوز 90 تسعون عاماً . ويذكر أن آخر أعماله هي أغني ( من غير ليه )
وهكذا يظل اسم محمد عبد الوهاب وموسيقاه وصوته يصدح في آذاننا وستظل أعماله باقية لأنه فكر وأبدع لتبقى أعماله لا لتندثر، لا لكي نسمعها وبعد نصف ساعة ننساها كما يحدث في زماننا هذا !!! بل أبدعها لتبقى ولذلك ستبقى ……
وأرجوا أن تستمعوا وتتمتعوا بصوت الفنان محمد عبد الوهاب عبر هذا الموقع الرائع .وأشكر القائمين على هذا الموقع ……
http://www.sawari.comwaziza@waziza.comwww.doroob.com/?p=1862 - 54