للآلات الموسيقية العربية تاريخ عريق يرجع إلى بضعة آلاف من السنين قبل الميلاد. وإذا أردنا أن نتعقب تاريخ تطور هذه الآلات فإننا نعتمد على جملة مصادر :
1- الآلات الموسيقية القديمة التي اكتشفها المنقبون في بعض المدن القديمة .
2- مشاهد الآلات الموسيقية المنقوشة أو المنحوتة على عدد كبير من الآثار المختلفة مثل الدمى الطينية والتماثيل والأواني الحجرية والفخارية والجدران .
3- النصوص المسمارية التي وردت فيها الآلات الموسيقية والتي تضمنت نوع المادة المصنوعة منها والمناسبات التي استخدمت فيها هذه الآلات وغير ذلك من المعلومات المتعلقة بالحياة الموسيقية .
4- المخطوطات القديمة التي تتناول الآلات الموسيقية وصناعتها مع رسوم لها .وتتميز في هذا الصدد أسماء مثل الكندي والفارابي وابن سينا واللاذقي والمراغي وابن زيله وإخوان الصفا وصفي الدين الأرموي وغيرهم .
وعلى ضوء هذه المصادر سنتعقب بإيجاز الآلات الموسيقية العربية بدأً بالآلات الوترية فالهوائية ثم الإيقاعية .
العـــــود
من أهم الآلات الموسيقية العربية على الإطلاق . وهو الآلة التي استعملها الفلاسفة وعلماء الموسيقى في شرح النظريات الموسيقية .
اختلفت الآراء حول أصل العود وتاريخه ما قبل الإسلام ، نذكر أهمها :
جاء في تاريخ الكامل ( للمبرّد ) إن أول من صنع العود هو نوح ( عليه السلام ) وانعدم بعد الطوفان . وقيل أول من صنعه ( جمشيد ) أحد ملوك الفرس واسماه ( البربط ) . ويرى الباحث في الموسيقى العربية ( فارمر ) أن العود الخشبي اقتبسه العرب من ( الحيرة ) بدلاً من عودهم الجلدي، وهو عود ذو وجهين من الجلد . ويذكر بعض المؤرخين أن آلة العود ظهرت عند قدماء المصريين منذ أكثر من (3500)ثلاثة آلاف وخمسمائة عام حيث عرفت الدولة الحديثة التي بدأت عام ( 1600 ق.م. )وهو العود ذو الرقبة القصيرة . كما عثر في مدافن ( طيبة ) على عود فرعوني ذي رقبة طويلة وريشته الخشبية معلقة بحبل في العود , ويرجع عهده إلى ( 1300 ق.م. ) .
إن الدراسة المقارنة التي قام بها الدكتور ( صبحي أنور رشيد ) لآثار العراق ومصر وسوريا وفلسطين وتركيا وإيران قد أثبتت أن أقدم ظهور للعود كان في العراق وذلك في العصر الأكدي حوالي ( 2350-2170ق.م) على ضوء ختمين اسطوانيين يمتلكهم المتحف البريطاني . ونظراً لعدم وجود آثار ذات مشاهد لهذه الآلة في العصر السومري القديم ، لذلك لم ينسب اختراع هذه الآلة إلى السومريين بل للأكديين . ثم انتشر العود في أنحاء العراق وأصبح الآلة المفضلة في العصر البابلي القديم ( 1950-1530ق.م. ) حيث كان شكل صندوقه الصوتي بشكل الكمّثرى وصغير الحجم ، واستمر على هذا الشكل حتى العصور المتأخرة من تاريخ العراق القديم .
أما إيران ، فقد عرفت العود منذ القسم الأخير من القرن السادس عشر ق.م. وهو العصر الذي أعقب نهاية العصر البابلي القديم .
وفي تركيا ، ومن المواقع والمدن القديمة الواقعة فيها وفي شمال سوريا والتي يعود أقدمها إلى نهاية الألف الثاني قبل الميلاد ، وترجع البقية إلى الألف الأول قبل الميلاد .
وفي فلسطين ، تعود أقدم الآثار التي تحمل مشاهد العود إلى العصر البرونزي المتأخر ( 1600-1300ق.م )
العود في أوربا
لقد أثبت الباحثون الأوربيون أن أوربا قد اقتبست العود مع اسمه العربي من العرب . فقد انتقل إلى الأندلس بانتقال العرب إليها وتعداها إلى أوربا وانتقل معه اسمه ولازمه في كل مراحل تطوره ، فكان ينطق به في جميع اللغات الأوربية ويكتب هكذا :
بالفرنسية LUTE
بالإنكليزية LUTH
بالإيطالية LIUTE
بالألمانية LAUTE
بالإسبانية LOUDE
بالبرتغالية ALOUDE
بالدانماركية LUT
العود في الآثار الإسلامية :
نستعرض الآن الآثار الإسلامية التي نقلت إلينا العود بمختلف أنواعه ، ليتسنى لنا الوقوف على تاريخ هذه الآلة منذ العصر الأموي وحتى القرن السادس عشر .
العصر الأموي ( 661 – 750 م )
انتقلت الخلافة إلى بني أمية وانتقلت العاصمة إلى دمشق . وقد احتوت كتب التاريخ والأدب الكثير من الروايات والأخبار عن الحياة في تلك الفترة ، وصورت لنا تلك الحياة الرسوم الجدارية التي عثر عليها في قصرين من قصور ملوك الأمويين . والذي يهمنا في هذا المجال الآلات الموسيقية وبصفة خاصة العود .
ففي( قصر الحير الغربي ) الذي يقع إلى الشمال الشرقي من دمشق بالقرب من الطريق المؤدية إلى تدمر ، ويعود إلى زمن الخليفة هشام في القرن الثامن ، عثر على رسوم أحدها يمثل عازفة على العود وهي في حالة الوقوف . وفي حمامات ( قصير عمره ) التي تقع في الصحراء الأردنية على بعد 50 كيلومتر شرق البحر الميت، عثر على رسوم كثيرة نشاهد فيها عازفين على الآلات الموسيقية بينها آلة وترية تنسب إلى فصيلة العود .
العصر العباسي ( 750 – 1258 م )
حصلنا من هذا العصر على رسوم كثيرة ومتنوعة لآلة العود ،منها :
- رسم على إبريق فضي محفوظ في متحف الفنون الجميلة في ليون ، فرنسا .
- رسم على إناء خزف ملون من العراق محفوظ في المتحف الإسلامي بالقاهرة .
- رسم على ميدالية فضية من زمن الخليفة العباسي المقتدر بالله / بغداد / محفوظة في متحف المسكوكات في متاحف الدولة ببرلين ( رقم 212 )
- رسم على مسكوكة للحاكم البويهي / بغداد / محفوظة في متحف أنقرة .
- رسم على علبة عاجية / جنوب إسبانيا / محفوظة في متحف فكتوريا وألبرت في لندن .
- مخطوطة ( كتاب الأغاني ) / العراق / محفوظة في دار الكتب بالقاهرة .
- مخطوطة من المغرب محفوظة في مكتبة الفاتيكان في روما
ورسوم كثيرة أخرى محفوظة هنا وهناك في متاحف العالم .
القرن الرابع عشر
إن المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه معلوماتنا بخصوص العود في هذا القرن هو المخطوطات القديمة التي زينت برسوم للعود وغيره من الآلات الموسيقية . ومن تلك المخطوطات القديمة مخطوطة ( المقامات ) للحريري مؤرخة في سنة 1334 م محفوظة في المكتبة الوطنية في فييينا / النمسا . كذلك مقامات الحريري المحفوظة في المتحف البريطاني . وفي مخطوطة ( كشف الهموم والكرب في شرح الطرب )يوجد وصف للآلات الموسيقية ومنها العود . وتضمنت مخطوطة ( كتاب في معرفة الحيل الهندسية ) لأبي العز إسماعيل ابن الرزاز الجزري والموجودة في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية صورة لساعة مائية في أحد أجزائها أربعة عازفين من ضمنهم عازف العود . كما توجد في مكتبة بودليان بأوكسفورد مخطوطة من بغداد بعنوان ( كتاب البلهان ) فيها صورة لعازف على العود . وفي مخطوطة لكتاب ( الأدوار ) لصفي الدين الأرموي مؤرخة في 1334 م محفوظة في أوكسفورد يوجد رسم توضيحي لآلة العود وفيها خمسة أوتار مزدوجة وسبعة دساتين . أما عدد الملاوي فهو عشرة .
كما توجد مخطوطات عديدة يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر والسادس عشر .
الخلاصة 1- العود هو الآلة المفضلة على بقية الآلات الموسيقية في العصور الإسلامية وقد كان معروفاً ومستعملاً في عصور ما قبل الإسلام في أقطار الشرق الأدنى .
2- أصل العود هو عراقي أكادي سامي ، والعراق هو أقدم قطر في العالم القديم ظهر فيه العود لأول مرة وذلك في العصر الأكادي ( 2350-2170 ق. م. )
3- الدول القريبة والمجاورة للعراق قد اقتبست العود منه في العصور اللاحقة . فنرى ظهور العود مثلاً في مصر في عصر المملكة الحديثة ( 1580-1090 ق.م. ) .
4- الآراء الأجنبية التي قيلت بصدد العود غير صحيحة ولا تؤيدها الشواهد الأثرية .
5- التحسينات والتغييرات التي طرأت على العود وأوصلته إلى الشكل المستعمل في العصور الإسلامية قد تمت في العصر الساساني . وهو العصر الذي سبق ظهور الإسلام . ولا يمكن في الوقت الحاضر تحديد القطر الذي قام بإدخال التحسينات عليه .
6- وجود فروق إقليمية في طريقة مسك العود وفي شكله . ففي العراق كانت طريقة مسك العود بصورة أفقية مستقيمة وهي السائدة بعكس إيران ومصر والأندلس حيث يمسك العود بصورة مائلة إلى الأعلى . ومن حيث الشكل ، فقد ساد في العراق الشكل الشبيه بالكمثرى وفي إيران الشكل البصلي .
7- الفتحات الموجودة في وجه الصندوق الخشبي لعود العصور الإسلامية لم تحافظ على شكل واحد ، بل اختلفت وتعددت . وأحد أشكالها المصنوع على شكل ( ) الذي كان معروفاً في العصر العباسي ، نجده مؤخراً في الآلات الوترية الأوربية .
8- العود قد انتقل إلى أوربا مع اسمه العربي عن طريق صقلية والأندلس .
9- العرب لم يقتبسوا العود من الفرس .