نجح واحد فقط هو محمد عبد الوهاب فى تقديم أعمال موسيقية بحتة فى سابقة تجديدية هى تقديم مقطوعات موسيقية غير مغناة وغير متقيدة بالقوالب القديمة لكنها استندت إلى أصول شرقية صميمة واستطاع أن يكسب بها جمهورا لم يتعود سماع موسيقى غير مصحوبة بالغناءوما كان يدعو للاستغراب حقا تلك اللافتة التى ظهرت فى تيترات عشرات الأفلام العربية ” الموسيقى التصويرية: مختارات من الموسيقى العالمية” .. كيف لا يسمح للموسيقى العربية بالتواجد فى السينما هذا المجال الحيوى والوسط غزير الجماهيرية؟ إنه خطأ المخرجين بالدرجة الأولى
ومع الأسف عندما أدخلت الموسيقى العربية للسينما أدخلت أيضا بهوية الأغنية الفردية بدءا من عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم إلى آخر مطربى السينما كان يمكن للسينما أن تلعب دورا أكبر بكثير ، على الأقل أن تحل محل المسرح الغنائى الغائب ، لكن هذا لم يحدث
محمد عبد الوهاب في آخر أيامه في بيته بالقاهرة ولد عبد الوهاب في حي باب الشعرية بالقاهرة في مارس/ آذار 1910 وتوفي في مايو/أيار 1991. وقد حصل عبد الوهاب الذي لقب بموسيقار الأجيال على جائزة الدولة التقديرية عام 1971, ومنح وسام الاستقلال الليبي عام 1955, ووسام الاستقلال السوري عام 1970, ولقبته جمعية الفنانين والملحنين في فرنسا بلقب فنان عالمي عام 1983, كما عين عضوا بمجلس الشورى المصري.
ويعتبر عبد الوهاب أول من أدخل الآلات الغربية على الموسيقى العربية منذ الثلاثينيات. كما يعتبر من المجددين الذين أسهموا في إثراء الموسيقى العربية. إذ أدخل آلة الكستانيت إلى تخت الموسيقى الشرقي في أغنية "الفجر شقشق" عام 1932. واستخدم البيانو بدلا من الإيقاع عندما لحن قصيدة بشارة الخوري "الصبا والجمال" عام 1939. أما استخدامه الغيتار في أغنية "أنت عمري" فقد كان مفاجأة للجمهور وللنقاد ولأم كلثوم التي رفضت بشدة بادئ الأمر استخدام تلك الآلة الغربية خشية استهجان الناس لها. مع أم كلثوم أثناء الاستعدادات
لتقديم أغنية "أنت عمري"وقد أدخل عبد الوهاب لأول مرة آلة الكستانيت إلى تخت الموسيقى الشرقي في أغنية "الفجر شقشق" عام 1932. واستخدم البيانو بدلا من الإيقاع عندما لحن قصيدة بشارة الخوري "الصبا والجمال" عام 1939. أما استخدامه الغيتار في أغنية "أنت عمري" فقد كان مفاجأة للجمهور وللنقاد ولأم كلثوم التي رفضت بشدة في بادئ الأمر استخدام تلك الآلة الغربية خشية استهجان الناس لها.
أم كلثوم بيد أن سيدة الغناء العربي عندما غنت "أنت عمري" للشاعر أحمد شفيق عام 1964, لقيت الأغنية قبولا وإعجابا منقطع النظير. وصار هذا العمل الذي ربط موسيقار الأجيال بكوكب الشرق واحدا من روائع الموسيقى الكلاسيكية العربية.
لكن تجديد وإبداع عبد الوهاب لم يتوقف عند إدخال الآلات الغربية على الموسيقى العربية, بل تعداه ليشمل تجديدات في إدخال غناء المونولوج والثنائيات في كثير من الأغاني.
يذكر أن عبد الوهاب بدأ مشواره الفني مع الشيخ سلامة حجازي في العشرينيات عندما غنى من ألحانه قصيدتي "ويلاه ما حيلتي" المجهولة المؤلف عام 1921 و"أتيت فلقيتها ساهرة" للشاعر خليل مطران في السنة نفسها. وتعتبر هذه الأغاني من أقدم التسجيلات الموجودة لدى الإذاعة المصرية.
ويعرف عن عبد الوهاب تأثره بالموسيقي الراحل سيد درويش الذي يعتبر موسيقار ثورة 1919 وملحن النشيد الوطني المصري "بلادي بلادي", وقد غنى عبد الوهاب له "لحن الشيطان" و"أنا هويت وانتهيت".
بلغ عدد مؤلفات محمد عبد الوهاب من أعمال الموسيقى البحتة نحو خمسين قطعة موسيقية على مدى أربعة عقود استخدم فيها طرق واساليب مختلفة وعرفت جميع تلك القطع بأسمائها التى وضعها لها ، وإلى جاتب ذلك قدم عشرات من المقدمات والمقاطع الموسيقية الطويلة فى أعماله الغنائية يمكن أن تعد موسيقات مستقلة بذاتها يتردد كثيرا أن عبد الوهاب هو من أدخل الموسيقى البحتة إلى الموسيقى العربية ، لكن ذلك فى الواقع غير صحيح رغم كثرة المراجع التى تشير إلى ذلك ، فقد سبقه غيره فى ذلك ، لكن عناصر جديدة أدخلها عبد الوهاب جعلت موسيقاه تتميز عن موسيقى الآخرين ، بل وجعلت من لحقوه يسيرون على نهجه تاركين القديم على حاله ، وهو بذلك قد حقق نوعا من الريادة بفضل القواعد الجديدة التى أرساها وإذا تأملنا هذه القواعد نجدها تجتمع تحت عنوان واحد هو التحرر ، فأصبحت القاعدة أنه لا توجد قاعدة ، فقد تحرر عبد الوهاب فى قطعه الموسيقية من القوالب القديمة للموسيقى البحتة والتى كانت تضم البشرف ، السماعى ، اللونجا ، التحميلة ، التقاسيم ، لكل منها منهج معين يقسمها إلى أجزاء ذات صفات خاصة يتقيد بها جميع المؤلفين
هذه القوالب وضعها الموسيقيون الأتراك فى العصر العثمانى وظلت سائدة حتى تفنن عبد الوهاب فى تكسيرها واحدة وراء الأخرى ، لن ندخل هنا فى تفاصيل أكاديمية لكن يمكن إيجاز القول فى أنه نجح فى فك أسر الموسيقى من قوالبها التى جمدت مع الزمن ، ومع تحول الفن من التطريب إلى التعبير بمقدم سيد درويش فى مطلع القرن العشرين أصبح للتعبير الأولوية المطلقة عند الموسيقيين والجمهور على السواء وقد سبق هذه الحركة الموسيقية فى الثلاثينات تغييرات أيضا فى قوالب الغناء حيث انتهى عصر الدور والموشح وبدأ عصر المونولوج والديالوج والأغنية الحديثة ، وهى قوالب أيضا تميزت بالميل إلى التحرر من النماذج الثابتة وأعطت مساحات أوسع للفنان للتعبير
نتابع