القصبجى وأم كلثوم
بدأ محمد القصبجى التلحين لأم كلثوم عام 1924 بأغنية من نوع الطقطوقة هى قال إيه حلف ما يكلمنيش من مقام الراست ، لكن العلاقة بينهما لم تبدأ من فراغ ، فقد كان معلمها ومرشدها ، وتعلمت على يديه أصول المقامات والعود ، وكان هو الذي اقنعها بالتحول من الانشاد الديني إلى الغناء ، وبذلك يكون هو المكتشف الحقيقى لأم كلثوم
قدم محمد القصبجى أم كلثوم فى ما قارب 70 لحنا ، وهو بذلك يحتفظ بأطول قائمة من ألحان أم كلثوم بين جميع من لحنوا لها بعد رياض السنباطى ، ولولا توقفه عن التلحين لفترة طويلة لكنا استمعنا إلى روائع أخرى كثيرة ، ويندرج معظم ألحانه فى اللون العاطفى الرومانسى وغالبيتها من كلمات الشاعر أحمد رامى فارس الرومانسية الغنائية
من أشهر ما لحن محمد القصبجى لأم كلثوم
إن كنت اسامح مقام ماهور 1928
سكت والدمع اتكلم مقام حجاز كار كورد 1930
الشك يحيى الغرام مقام أثر كورد 1930
ما دام تحب بتنكر ليه مقام نهاوند 1940
يا صباح الخير مقام راست 1944
رق الحبيب مقام نهاوند 1944
ومن القصائد لأم كلثوم
أيها الفلك مقام نهاوند 1938
الزهر فى الروض مقام هزام 1940
ومن أغانى المناسبات
إن يغيب عن مصر سعد مقام نهاوند 1930
يا بهجة العيد مقام حجاز كار 1936
فى عام 1944 لحن محمد القصبجى رائعته رق الحبيب لأم كلثوم ونجحت نجاحا كبيرا ومازالت تلك الأغنية تتردد لليوم كأحد أفضل ما قدمته أم كلثوم ، ولا يزال المقطع الشهير من كتر شوقى سبقت عمرى يوحى للسامع حتى بعد مرور عشرات السنين بما قصد الشاعر تصويره وقد نجح القصبجى فى التعبير عن الصورة الشعرية بأفضل أسلوب ، وللأغنية مقدمة موسيقية متميزة هى من كلاسيكيات الموسيقى العربية
ويقال إن أم كلثوم قد طلبت من القصبجى الاقتصار على التلحين لها فقط والمقصود بذلك عدم قيامه بالتلحين لأسمهان فى ظل المنافسة المشتعلة بين المطربتين لكن القصبجى رفض طلب أم كلثوم ، ولم يكن يدرك بالطبع أن أسمهان سترحل عن الدنيا بعد قليل لكنه القدر ، توفيت اسمهان لكن أم كلثوم رفضت حينئذ الغناء من جديد للقصبجى ردا على موقفه ، وتوترت علاقتهما مما أدى إلى توقفه عن التلحين لها بعد ذلك ، وخسر الجمهور المزيد كنوز القصيجى وروائعه
ومع هذا فقد ظل ضيف شرف فى فرقة أم كلثوم الموسيقية كإسم كبير وعازف عود من الطراز الأول ، وكان يكفى وجوده فى الفرقة وظهوره باستمرار فى الصف الأول لإضافة قيمة كبيرة للفرقة ولما تقدمه ، بل وشرف كبير للملحنين الجدد الذين قاموا بالتلحين لأم كلثوم بعد ذلك فقد قام بأداء ألحانهم مع فرقة أم كلثوم وهذا فى حد ذاته مكسب كبير لأى ملحن بما يوحى به من اعتراف ضمنى بجودة اللحن وتمكن الملحن ، وقد استمر كذلك طيلة 22 عاما حتى توفى الموسيقار الكبير عام 1966
أســــمهان
بدأ محمد القصبجى التلحين لأسمهان عام 1933 فلحن لها عدة أغنيات منها كلمة يا نور العيون ، اسمع البلبل ، كنت الأمانى ، وأشهرها امتى ح تعرف
كان لأسمهان صوت صاف رقيق وذو إمكانيات عالية ورأى القصبجى فى صوت أسمهان وأدائها فرصة لتطوير الاغنية العربية بتطبيق قواعد الأداء الغربى المتطور مع الاحتفاظ بأسس الموسيقى العربية ومذاقها ، وقد ولاقت تجربته نجاحا كبيرا تألق معه نجم أسمهان
ويبدو أن رفض القصبجى لطلب ام كلثوم بوقف التلحين لاسمهان كان السبب في رفضها ان يلحن لها بعد رحيل اسمهان عام 1944
غير الأغانى لحن القصبجى أربعة أوبريتات هي المظلومة ، حرم المفتش ، كيد النساء وحياة النفوس
وقدمت ألحانه السينما المصرية فى العديد من الأفلام منها أفلام أم كلثوم ، أسمهان ، ليلى مراد ، إبراهيم حمودة ، عبد الغني السيد ، نور الهدى ، صباح ، وهدى سلطان ، وسعد هؤلاء بألحانه التى ساهمت فى صنع أسمائهم ، وقد ضمت هذه الأفلام المئات من ألحان القصبجى المتميزة والمنتمية إلى مدرسته الحديثة الراقية ذات المستوى الرفيع
نقــد محمد القصبجى
رغم كل ما قدمه الموسيقار الراحل من جهد وفن فإنه كان باستطاعته تقديم أكثر مما قدم بكثير ، وهناك عدة أسباب جعلت أعماله تكمن فى نطاق محدود منها
توقفه عن التلحين لقرابة عشرين عاما، وربما عاد هذا إلى أم كلثوم أكثر منه إلى القصبجى كما تقدم ووفاة أسمهان المفاجئة وهى فى سن الشباب ، وكان ينوى استثمار إمكانيات صوتها لأقصى حد
عدم توغله كثيرا فى المنطقة الشعبية من الفن ، وقد يرجع هذا إلى تركيبة القصبجى النفسية والمزاجية الحالمة ، وإلى كونه موسيقيا أكاديميا بالدرجة الأولى
الإقلال من القصائد وشعر الفصحى ، ولا شك أن هذا البعد قد أضفى الكثير من القيمة إلى فن من لحقوه كمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى ولو أنه كان قد أكثر منها لأضاف إلى أعماله الكثير خاصة فى ظل قدراته وإمكانياته الفنية العظيمة ورقى فنه بشكل عام
بعده عن المسرح الغنائى ، رغم أنه قد لحن للمسرح لكن ليس بقدر كبير ، وهذا مما يدعو للاستغراب حقيقة لأن إمكانيات محمد القصبجى الفنية الهائلة كانت تمكنه من خوض هذا المضمار بتمكن تام دون شك ، وربما أدى نجاح القصبجى فى الأغنية ووصوله إلى القمة من خلالها إلى تشجيع فنانين آخرين على الاقتصار على هذا النوع من الفنون الموسيقية كمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى بينما استمر الشيخ زكريا فى تقديم عشرات من الأوبريتات المسرحية
غير أن هذه الانتقادات لا تنقص من قيمة أعمال محمد القصبجى بأى حال ، والأمثلة كثيرة
فبالنظر إلى سيد درويش وزكريا أحمد نجد أعمالهما قد بنيت أساسا على الموسيقى الشعبية المستوحاة من كلمات الأغانى التى كتبت معظمها بالعامية المصرية ، والقليل من الفصحى ، وقد استطاع كلاهما الوصول إلى أعلى الدرجات الفنية عن طريق استثمار الفن الشعبى ، وبينما كتب معظم أغانى القصبجى شاعر رقيق كأحمد رامى فقد اعتمد سيد درويش على كلمات بديع خيرى وهو أفضل من كتب ألأغانى الشعبية وهو الذى صور أغانى الطوائف فى تلك الصور الغـنية التى ألهبت خيال سيد درويش ، وأمير شعر العامية بيرم التونسى الذى كتب له نصوص أغانى الأوبريت الشهير شهرزاد ، كما اعتمد الشيخ زكريا أيضا كثيرا على أشعار بيرم الغنائية وكونا معا ثنائيا متجانسا فى الفن الشعبى استمر لسنوات عديدة
وعلى العكس فقد بنى رياض السنباطى مجده على تلحين القصائد والموضوعات الكلاسيكية ولم يلجأ إلى الفن الشعبى إلا فى حدود
ورغم أن توقف القصبجى عن التلحين بعد اختلافه مع أم كلثوم قد قصر من عمره الفنى إلا أن المستوى الفنى لا يقاس بالسنين ولا بكم الأعمال ، وتكفى الإشارة هنا إلى سيد درويش الذى استطاع تغيير موسيقى أمة بأكملها فى ست سنوات فقط هى كل عمره الفنى
أما بعد القصبجى عن المسرح الغنائى فربما يعزى إلى تراجع النشاط المسرحى عموما بعد إنشاء الإذاعة المصرية وظهور السينما فى أوائل الثلاثينات
الخلاصـــــة
وإذا أردنا تلخيص أثر الموسيقار محمد القصبجى على غيره من الفنانين فربما تكفى الإشارة إلى أنه كان معلم الجيل اللاحق من الرواد ، وأنه قدم للجمهور أم كلثوم وأسمهان ، ثم اجتهاد الموسيقيين الجدد بعد ذلك فى اتباع مدرسته فى التلحين والموسيقى ، ولا شك فى أن آثار الموسيقار محمد القصبجى قد بقيت فى موسيقاه كما استمرت فى موسيقى تلاميذه محدثة موجات متتالية من التطور ومكملة لصورة النهضة الموسيقية التى شهدها القرن العشرين
ويبقى رصيد الموسيقار الكبير شاهدا على نهضة حقيقية شهدتها فترة نشاطه ، كما تبقى القيمة الحقيقية لموسيقاه مقدرة كما هو الحال مع غيره من الرواد بمعيارين أساسيين أولهما أن الموسيقى أو اللحن يحتفظ بجماله وروعته حتى إذا نزعت منه الكلمات ، ومع الكلمات تبدو الألحان معبرة تماما عن مكنونات السطور والشعور ، وثانيهما أن موسيقاه حملت إضافات جديدة واستمرت تلك الإضافات كملامح أساسية فى الموسيقى بعد ذلك ، وبهذا يعتبر أحد المجددين فى الموسيقى العربية
وبعد ، هذه رحلة قصيرة داخل حياة وفن الموسيقار الكبير المبدع وصاحب مدرسة من أروع المدارس الموسيقية ، لكن فنه وجهاده وكذلك صبره وإخلاصه يحتاج تأملها إلى أكثر بكثير
Back To Top
Home
Your comments & contributions are most welcome
About CAM Privacy Policy Camstream Camstream Lists
حول هذا الموقع بيان الخصوصية تسجيلات إضافية كيف تحصل على تسجيلات إضافية
*****
Classic Arab Music - كلاسيكيات الموسيقى العربية
All Rights Reserved
2004-2009 Arab-music.tripod.com
Contact Arab Music