[
u]محمد القصبجى ملك العود[/u]
أحد أبرز رواد التجديد في الموسيقى العربية، كان مدرسة لكبار عباقرة الموسيقى الذين أضاءوا الحياة الفنية، ويعود الفضل إليه في تجديد الموسيقى العربية وتطويرها، فمع تأثره بالموسيقى الغربية أدخل الهارمونيا والبوليفيا عليها دون تشويه لها وبما يتناسب معها، كما كان له الفضل في إرساء قواعد فن المونولوج العربي في الغناء والموسيقى.
ولد محمد القصبجى بالقاهرة في الخامس عشر من أبريل عام 1892م، وهو نفس العام الذي شهد مولد الفنان سيد درويش، وكان والده هو الشيخ علي إبراهيم القصبجى، الذي عُدَّ من أشهر منشدي ومقرئي حي عابدين في القاهرة، وتخرج محمد القصبجى في مدرسة عثمان باشا بعد أن درس وحفظ القرآن على يد الشيخ المحلاوي، وفي المنزل تعلم من والده فنون الموشحات والأناشيد الدينية والعزف على العود الذي صار أستاذا في فنونه، حتى أطلق عليه مؤرخو التراث الموسيقي "سيد عازفي العود" في القرن العشرين.
وعلى الرغم من ممارسة والده للموسيقى إلا انه عارض في البداية عمل ابنه في هذا المجال، وسعى كي يعمل في مهنة التدريس التي مارسها القصبجى على مضض لمدة عامين خلال الفترة من 1915م وحتى 1917م، فكان في الصباح معلما للجغرافيا والحساب وفي المساء عازفا للعود وملحنا، ولكنه لم يستطع مواصلة تلك الحياة المزدوجة كثيرا، وتفرغ للفن منذ عام 1917م.
ولعب محمد القصبجى دورا كبيرا ومؤثرا في الموسيقى العربية إلا انه لم يحتل المكانة التي يستحقها، ويفسر البعض ذلك بتواضعه الشديد وعدم اهتمامه بتسليط الأضواء عليه بقدر رغبته في الارتقاء بالموسيقى إلى جانب حبه للعزلة وعدم امتلاكه صوتا جميلا، كما كان لدى زملائه من الملحنين مثل سيد درويش والسنباطي وزكريا أحمد، ومن بين التفسيرات الأخرى التي أطلقها البعض هو قبوله بأن يكون مجرد عواد في فرقة أم كلثوم رغم مكانته الأمر الذي أدى إلي عدم تسليط الأضواء عليه والاهتمام بما قدمه إلا بعد وفاته.
ساهم محمد القصبجى في الحياة الفنية لعدد من الفنانين منهم المطربة الكبيرة منيرة المهدية التي لحن لها العديد من الألحان الرائعة، وكذلك الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي رعاه فنيا لمدة خمس سنوات قبل أن يتبناه أمير الشعراء أحمد شوقي عام 1924م، وتتلمذ على يديه أيضاً عملاق الموسيقى رياض السنباطي وكانت درة تلامذته هي كوكب الشرق أم كلثوم، التي ارتبط بها منذ مجيئها إلى القاهرة عام 1923م ومنحها مجموعة من أجمل الألحان، وظل مصاحبا لها في فرقتها حتى وفاته.
وقدم الموسيقار محمد القصبجى أعمالا سابقة لعصرها في الأسلوب والتكنيك، وأضاف للموسيقى الشرقية ألوانا من الإيقاعات الجديدة والألحان سريعة الحركة والجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال، والتي تتطلب عازفين مهرة على دراية بأسرار العلوم الموسيقية، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقي ما أدى إلى ارتفاع مستوى الموسيقى والموسيقيين أيضا، وهذا بالإضافة إلى الأجواء الرومانسية الحالمة التي أجاد التحليق فيها، وكانت أصوات أم كلثوم و فتحية أحمد وأسمهان بالنسبة إليه وسائط جيدة قدم من خلالها ما أراد للجمهور، وقد ساهمت إلحانه في صنع تلك الأسماء.
أما موسيقاه التي لم تقترن بأصوات كمقدمات الأغاني وما تخللها من مقاطع أو كمقطوعات موسيقية فقد جسدت مثالا لما يطمح إليه من تطوير وقد برع في تقديم أفكار موسيقية جديدة فتحت الباب للتنويع والابتكار، ومن مقطوعاته الموسيقية مقطوعة بعنوان "ذكرياتي" غير فيها القالب التركي القديم من ميزان السماعي إلى إيقاعات متنوعة وإن احتفظ فيها بالتسليم الذي تعود إليه الموسيقى في النهاية، وكان للقصبجى أسلوب فريد اتسم بالشاعرية وقد اختار لألحانه أفضل الكلمات وأرقها، وكانت له طموحات موسيقية جاوزت حد التلحين والغناء حيث أراد تطوير الأداء وتقديم الجديد في الموسيقى.
وفي شهر مارس من عام 1966م توفي الموسيقار العملاق محمد القصبجى الذي أثرى الموسيقى العربية.