منذ بداية الثلاثينيات من القرن العشرين تعود الناس على قضاء الأمسيات مجتمعين حول جهاز الراديو بدلاً من الذهاب إلى المقهى أو النادي ،ثم لم تلبث هذه العادة أن تأصلت بعد ظهور أجهزة (الفوتغراف) وسماع الموسيقى من الاسطوانات المسجلة في المنزل بوجود الأصدقاء بدلاً من الذهاب إلى المسرح أو (الأوبرا).
وهكذا جاء التلفزيون في الوقت الذي ألف فيه الناس أساليب الترفيه والتسلية المنزلية وأصبحوا يتشوقون لرؤية الأفلام السينمائية أيضاً في منازلهم، خصوصاً أولئك الذين لا يقدرون على تأمين مصاريف الذهاب إلى صالات العرض السينمائي. ولذلك لم تواجه أجهزة التلفزيون أي مشقة في التأقلم مع هذا الجو الترفيهي المنزلي الجديد.
شهدت الثمانينات من القرن العشرين إدخال أول أجهزة التوليف الرقمية الكاملة للصوت القادرة على تأدية العشرات من "الأصوات" في نفس الوقت. فمواصفات الترابط الرقمي للآلات الموسيقية (MIDI) التي أدخلت في عام 1983 سمحت بوصل آلات التوليف المصنوعة على يد مختلف المصنعين مع بعضها البعض. كانت أجهزة جمع العينات الرقمية قادرة على تخزين موسيقى مسجلة مسبقاً ومتوالفة في نفس الوقت. تسجل أجهزة تنظيم التتابع الرقمية البيانات الموسيقية بدلاً من الصوت وتسمح بإنشاء سلاسل متتابعة رقمية متكررة، والتلاعب بالأنغام الإيقاعية، وإرسال البيانات المسجلة من برنامج أو جهاز إلى برنامج أو جهاز آخر. تعتمد آلات الطبول على "وسادات طبلية"، يمكن للمؤدي أن يطرقها ويشغلها.
وفرت التكنولوجيا الرقمية للموسيقيين القدرة على إنشاء 128 بنية صوتية معقدة لإنتاج أصوات متوالفة متطورة لا وجود لها في أي مكان آخر في الطبيعة، ولاختيار والتلاعب بأي مصدر صوت، لإنتاج حلقات صوتية يمكن التحكم بها بدقة عظيمة. بوجود معدات وبرامج موسيقية مدمجة ومحمولة وبكلفة معقولة، أصبح من الممكن إنشاء ستوديو تسجيل في أي مكان. ومع اكتساب الموسيقي الفردية سيطرة أكبر وأكبر على إنتاج الإسطوانات الموسيقية الكاملة، أصبحت تتلاشى بالكامل التمايزات بين مؤلف الموسيقى، والمؤدي (المغني)، وأحيانا المنتج.
في كل مرحلة من مراحل تطوير الموسيقى الشعبية، فتحت التكنولوجيات الجديدة إمكانيات خلاّقة للموسيقيين، وخلقت مجموعة أوسع من الخيارات المتوفرة للمستهلكين. درجنا على الاعتقاد بأن التكنولوجيا تشكل عامل تغيير. لكن في بعض الحالات، أتاحت التكنولوجيات الرقمية الجديدة للموسيقيين التنقيب عن الماضي الموسيقي واستخراجه. فالموسيقيّ التقنيّ، موبي، قام بنفس هذا الأمر في ألبومه "بلاي" الذي أصدره عام 1999، والذي حقق أفضل المبيعات عندما جمع عينات من أقسام أغان أدتها بيسي جونز المغنية من جزيرة سي آيلاند بولاية جورجيا، من بين مغنين آخرين.
في القرن الواحد والعشرين، تستمر التكنولوجيا بالتأثير على كيفية صناعة، وتسجيل، واستنساخ، وتسويق الموسيقى الشعبية واستمتاع المستمعين بها. جرى إدخال معيار جديد لصنع الموسيقى الرقمية عام 1992 بواسطة نظام "أليسيس أدات" (Alesis ADAT). يكمن جوهر هذا النظام في جهاز توليف/تسجيل رقمي بثمانية مسارات يمكن توسيعها إلى 128 مساراً من خلال زيادة وحدات إضافية. كان هذا يعني أن بإمكان المستهلك إنشاء استوديو أساسي في المنزل بكلفة ضئيلة نسبياً، بينما يستطيع المحترفون استعمال نفس التكنولوجيا لإنشاء مرافق صوتية رقمية متطورة جداً.
شهدت التسعينات من القرن العشرين إدخال برامجيات موسيقية، مثل برنامج بروتولز الذي يشغل على أجهزة الكمبيوتر الشخصية. سمحت هذه البرامجيات لمهندسي التسجيل والموسيقيين بكسب سيطرة أكبر على كل عنصر أساسي من الصوت الموسيقي، بما في ذلك ليس درجة النغم ودرجة السرعة فحسب، وإنما أيضاً نوعية صوت المغني أو نبرات العازفين على الآلات الموسيقية. ارتكزت إحدى شكاوى بعض الموسيقيين من برمجيات "بروتولز" (Protools) وبرمجيات الكمبيوتر المشابهة على أنها تسمح بتصحيح الأخطاء الموسيقية، بما في ذلك استبدال الألحان والجمل الفردية، وبتغيير الهوية الصوتية للمغني. من وجهة النظر هذه، فإن "عدم الكمال" هذا يمثّل جزءاً ضرورياً من الموسيقى كشكل من أشكال التعبير الإنساني.