شبه متكامل ، وعندما قدم أسطورته الجديدة لا مش أنا اللي أبكى ختمها بأبعد ما يكون عن البداية فائقة الحداثة ، وربما كان حرصه على الجمهور التقليدي وإشباع نهمه للطرب والغناء التقليدي هو السر في تلك الخاتمة .
رابعا استخدام المقدمات الموسيقية واللزم
برع محمد عبد الوهاب في وضع المقدمات واللزم الموسيقية بين المقاطع الغنائية ، وهو في هذا كان الأول بين الرواد الكبار في تاريخ الموسيقى العربية ، وإليه ينسب الفضل في تطوير هذا الجزء من العمل الفني وقد أكبته براعته هذه ريادة خاصة إذ أنه تفوق فيها على الجميع ، وهنا نستطيع التقاط ملامح عبد الوهاب الموسيقى وهو غير عبد الوهاب الملحن وغير عبد الوهاب المطرب
وقد بدا هذا الاتجاه مبكرا في أعمال مثل في الليل لما خلى ثم غذاه ورقاه في قصائده الكبرى ثم أنهاه بمقدمات أغانيه لأم كلثوم وما تخللها من مقاطع موسيقية غاية في الإتقان .
خامسا الدقة الشديدة في العمل الفني
مما اتصف به عبد الوهاب ووضح في ألحانه وموسيقاه أنه كان دقيقا للغاية في استعمال كل جملة أو حركة في اللحن ، فكل منها لها وظيفة معينة وتوقيت معين ، السكتة سكتة ، والرابطة محددة ، واللحن كله مكتوب وليست هناك فرصة لتميع اللحن أو إتباع المطرب مثل أيام زمان أو تقاسيم يقوم بها أفراد الفرقة على هواهم بين المقاطع ، حتى الموال كتبه عبد الوهاب خلافا لتعريف الموال نفسه كشكل غنائي ، ويقول الموسيقار محمد عفيفي في هذا " الموال في الأصل غناء مرسل مرتجل يقوم به المطرب دون الملحن ويولد لحنه لحظة أدائه ، وسواء كان موقعا أم غير موقع ، فهو بلا لحن موضوع سلفا كما أنه ليس له ملحن ، لكن عبد الوهاب كتب الموال وأخضعه للتلحين المسبق وكان أول من فعل ذلك"
و في هذا المجال يمكن – وبوضوح – أن نلحظ مدى الانضباط الذي عزفت به انت عمري مقارنه بأداء الفرقة الموسيقية لكل اغانى أم كلثوم السابقة لانت عمري , وبهذه المناسبة أيضا يجب أن نقرر أن محمد عبد الوهاب قد ضاعف عدد عازفى الكمان بالفرقة إلى ثلاثة أضعاف تقريبا , فضلا عن إضافة الجيتار .
وهذه الخصائص تظهر في جميع أعمال محمد عبد الوهاب القديم منها والحديث ، لكن هناك خصائص فرعية اتسمت بها كل مرحلة من مراحله الفنية دون سواها
الموهبــــة الفنيــــة :
** لعل هناك من قائل أن هذا الذي تميز به عبد الوهاب ناتـــــج عن ذكاء فني واستخدام للعقل – وهذا صحيح – إلا أن حجم موهبة عبد الوهاب في الحقيقة حجم غير مسبوق , ويكاد أن يتســع ليشمل مواهب كل من سبقوه من الملحنين أو حتى من تلوه , ودليلنا على ذلك هو الكم الهائــــل من الجمل الموسيقية في كل عمل على حدي وعدم التكرار , حتى وصفه البعض بالملول الذي يسعى إلى احترام عدم ملل المستمع من تكرار الجمل . فلديه مخزون غير محصور من الإبداع الموسيقى .
** إلا أن أكثر ما يلفت النظر في المسيرة الفنية لهذا العملاق هو الإصرار على الهدف , رغم كثــافة الهجوم ( من جاهل أو حاقد أو .... ) , ورغم انه قد حقق القمة أكثر من مرة في مسيرته وجلس وتربع عليها دون منازع , إلا انه يخاطر بهذه القمم ويسعى لقمه أعلى ( في حين خشي الآخرين المقامرة بما و وصلوا إليه من نجاحات , داروا حول ألحانهم و كرروا جملهم وأساليبهم ) وقد يرجع ذلك إلى سعة موهبة محمد عبد الوهاب وسعة ثقافته واطلاعه , بحيث مكنته من الإضافة والتطوير من مخزون غير منتهى من الموهبة والجمل الموسيقية . مع ذكاء فني غير مسبوق .
ـ خلاصة القول فإننا أمام موهبة ـ ضخمة ـ آمنت أنها صاحبة دور ورسالة , وقد أدى دوره بكل إخلاص ونجاح .
** أما عن نقاء صوته ونعومته فحدث ولا حرج ..... , ولكن هذه قضيه أخرى تحتاج لبحث منفرد
ويسعدني هنا أن أعيد رفع تسجيل نادر لحديث اذاعى بصوت موسيقار الأجيال يتحدث فيه بتواضع عن دوره في تطوير الموسيقى والغناء الشرقي