في صباح اليوم الثاني الاثنين الموافق 3 نوفمبر أقيمت الندوة الفنية (تطور العود عبر العصور) تحت رعاية سعادة الدكتور الشيخ طالب بن هلال بن سلطان الحوسني أمين عام ديوان البلاط السلطاني بفندق البندر في منتجع بر الجصة (شانجريلا)
حاضر في هذه الندوة كل من الأستاذ مسلم بن أحمد ألكثيري مدير مركز عمان للموسيقى التقليدية والأستاذ الدكتور محمود قطاط من الجمهورية التونسية والدكتور يوسف طنوس من الجمهورية اللبنانية ، وقد تناولت الندوة ثلاث محاور وهي:
المحور الأول : آلة العود في الجزيرة العربية للأستاذ مسلم بن أحمد ألكثيري مدير مركز عمان للموسيقى التقليدية حيث أشار في مقدمة محاضرته إلى أهمية آلة العود التي تكمن في إشعاعها العالمي ورمزيتها كأهم الآلات الموسيقية العربية على مر العصور. ومنذ أن تم ابتكار الشكل الأول لهذه الآلة والطريقة الفريدة لاستخراج النغم من قسمة أوتارها، ظل العود من الآلات المفضلة لدى الموسيقيين المحترفين والهواة، وتبعا لذلك اعتمدها الفلاسفةُ والمنظرون العرب في رسائلهم الموسيقية منذ القرن الثالث الهجري ( التاسع الميلادي ) وفي مقدمتهم أبي يوسف يعقوب الكندي (ت.874م )، وقد أشار كثير من الباحثين إلى أهمية رسائل الكندي في تاريخ الموسيقى العربية.
ولا يزال العود يحتل مكانة كبيرة في الموسيقى العربية عامة والموسيقى في الجزيرة العربية بشكل خاص، وتزداد أهميته بفضل ما يكتنزه التراث الثقافي (الشفهي والمكتوب) من مادة تاريخية وفنية ثرية وعميقة لهذه الآلة.
وتحدث المحاضر عن ظهور آلة العود ودورها في غناء الجزيرة العربية حيث قال أن أغلبية المصادر التي تناولت موضوع الغناء في العصر الجاهلي تعتبرها آلة واحدة وهي آلة العود!. ومع أن كلمات مثل: المستجيب، والموتر كما جاءت في الشعر الجاهلي هي صفات لآلة وترية، فإن البربط، المزهر، والطنبور، والصنج هي في اعتقادي آلات موسيقية متنوعة.. ولأن آلة العود لم يأتي ذكرها في الشعر الجاهلي ( حسب علمي)، فإن هذه الآلات الوترية كانت تقوم بدورها ـ كآلة وترية مرافقة للغناء ـ قبل أن تستعمل وتعرف بهذه التسمية في العصور الإسلامية. وقد قيل أن النظر بن الحارث بن كلدة ( نهاية القرن السادس بداية القرن السابع الميلادي ) جلب معه من العراق إلى مكة العود الخشبي ( ذو الوجه الخشبي )، ولكن سرعان ما نشأت ظروف ثقافية جديدة بفعل ظهور الإسلام ( القرن السابع الميلادي )، وانشغل العرب بتوطيد أركان دينهم الجديد، ونشر تعاليمه.
ثم أشار الى أنواع آلة العود وقال : ومع اختلاف أحجامها تتفق هذه الآلات على مبدأ مشترك وهو استخراج النغم بقسمة أوتارها، وهي كالآتي:
النوع الأول: آلة ذات صندوق صوتي صغير ورقبة طويلة ( عائلة الطنبور) وهي الآلة التي تطور عنها ما يعرف اليوم بالبزق: وأقدم كشف أثري عنها كان في بلاد الرافدين في العصر الأكدي حوالي (2350 2150 ق . م ) أي في الألف الثالث قبل الميلاد ، والأكاديون من الأقوام السامية التي هاجرت من شبة الجزيرة العربية واستوطنت العراق.
النوع الثاني : آلة ذات صندوق صوتي كبير نسبيا ورقبة قصيرة ( عائلة العود) ظهرت في العراق (الحيرة) ، والجزيرة العربية وبلاد فارس حوالي القرن الثالث والخامس الميلادي ، وكذلك في الهند ، والصين ، وتطور عنها شكل العود كما نعرفه اليوم.
النوع الثالث: آلة ذات صندوق صوتي صغير ورقبة قصيرة (عائلة المزهر) وقد جاء ذكره في أشعار العرب الجاهليين منذ القرن السادس الميلادي ، ويبدو أن هذه الآلة كانت مفضلة عند القيان ومنتشرة في الجزيرة العربية ، ولا يزال المزهر مستعمل باسم قبّوس أو قنبوس أو ألطربي حتى القرن الماضي كآلة أساسية ، أما اليوم فهو محصور الاستعمال في اليمن.
المحور الثاني : العود الشرقي في الوطن العربي للأستاذ الدكتور محمود قطاط حيث تحدث بداية عن العود في التاريخ القديم وقال: تعرّض تاريخ العود إلى الكثير من الأساطير والروايات، وتعددت حول أصوله وتضاربت الأقوال والآراء.. والثابت على ضوء ما جاءت به الآثار من أدلة وشواهد، إن الآلة كانت متداولة منذ الألف الثالث قبل المسيح بالشرق الأدنى. كما كان لها الدور الفعال لدى الممالك القديمة حيث اتخذت أحجاما وأشكالا وتسميات متنوّعة. وهي تمثّل أرقى مرحلة من مراحل تطور الآلات الوترية في العالم القديم.
ثم تحدث عن العود في علم الآلات الحديث ويأتي تصنيفه مطابق تماما للتصنيف العربي القديم، أي ضمن فصيلة الوتريات ، وهي من:
ذوات الأوتار المعوقة والمحبوسة -كما يسميها اللاذقي - ''حسب تجزئات (دساتين أو عتب) مخصوصة تقع على رقبة الآلة ''؛ تُشد أوتارها بصورة موازية، بين الصندوق الصوتي والذراع، ويُعفق عليها بالأصابع أو المضرب.
تنقسم هذه الفصيلة من عائلة الوتريات، إلى نوعين:
- نوع يكون الصندوق الصوتي فيه صغير الحجم والذراع طويل (آلة الطنبور وما شاكلها...)، وهو الأقدم.
- نوع يكون الصندوق الصوتي فيه أكبر حجما (غالبا منتفخ في شكل نصف كمثري) والذراع أقصر نسبيا (آلة العود وما شاكلها...).
المحور الثالث:العود حول العالم للدكتور يوسف طنوس وقال في مقدمة محاضرته:
يُعتبر العود ملك الآلات الموسيقية العربية وسلطانها وأساسها، وهو الأكثر كمالاً بينها، وهو مرافق المغنّين ومحور الأوركسترا العربية المعروفة ب"التخت" الشرقي. وهو الذي يفسّر نظريات السلّم الموسيقي العربي. لا يُعرف مخترع آلة العود، ولكن هناك قصص وروايات عن أصله إذ ينسب البعض اختراعه إلى لامك ابن قايين ابن آدم، بينما نجده، ولو بأشكال متنوّعة وأسماء مختلفة، في معظم الحضارات. انتشر العود في بلاد ما بين النهرين وفي بلاد الفرس وآسيا الصغرى والشرق الأوسط والشرق الأقصى وأوروبا. والعود هو الآلة الوتريّة الأكثر انتشارًا في العالم كلّه.
ثم تحدث عن أصل تسمية العود حيث أشار: إن التسمية العربية "العود" تشير إلى المادة التي تصنع منها هذه الآلة، أي الخشب. انتقلت التسمية إلى الغرب من خلال الأندلس، فأسموه الغربيون laute و luth ، تحويرًا للتسمية العربية "العود". وظهر للعود أشباه في حضارات عديدة وبأسماء مختلفة، فهو عند الفرس البربط (barbat )، وهو عند الصينيين بيبا (pipa )، وعند الهنود سيتار (sitr )، وعند الفراعنة نفر (nefer )، وعند اليابانيين بيوا (biwa )، وعند الروس بالاليكا (balalaika )، وعند الأندونسيين غامبوس (gambus )، وفي آسيا الصغرى تار أو سيتار أو ساز ( tar ou setar ou saz ). وللعود العربي عائلة متنوّعة في البلدان العربية. هناك ال"كويترا" في المغرب (koueitra ) وال"غمبري" (gombri) المنتشر في تونس، ليبيا وشرق الجزائر، وعود "النأشة-كار" الذي هو جوابٌ للعود العادي، والمتواجد خاصة في سوريا.
وتحدث عن تاريخ العود وقال: لا يُعرف تاريخ دقيق لآلة العود. فقد أظهرت اكتشافات وأبحاث علم موسيقى الشعوب أن آلة العود قديمة جدًّا. منهم من يرجّع آلة العود إلى الألف الثاني قبل الميلاد. وقد دلّت الاكتشافات الأثرية عن وجود العود الطويل الزند في بلاد ما بين النهرين وفي مصر. وحوالي سنة 1500 ق. م. كان العود ذو الزند الطويل مخصّصًا للموسيقيين المحترفين. كما دلّت الأبحاث الأثرية في الأناضول على وجوده أيام الحثيين أي قبل حوالي 3000 سنة. كما كان مستعملاً في روما أيام القياصرة. وقد عرفه أيضًا البيزنطيون. وقلّما خلت حضارة في العالم من آلة العود أو من عائلتها الوترية أو شبيهاتها.
وتحدث عن العود في التاريخ العربي حيث أشار: يعتقد بعض الباحثين أن العود العربي هو حصيلة تطوير لبعض الآلات الوترية القديمة، مثل "البربط" الفارسي و"المزهر" العربي. ويذكر كتاب الأغاني أنّ أول موسيقي استعمل آلة العود، باسمها الحالي، كان ابن سريج، في أيام الخلافة الأمويّة. ولكنّ العود العربي لم ينل شهرته إلاّ مع إبراهيم وإسحق الموصلي ومع منصور زلزل أيام الخلافة العباسيّة.
وقد كان هناك نوعان من العود، الطويل الرقبة (أو الزند) وسمي "طنبور"، والعود القصير الرقبة (أو الزند) وسمي العود. وقد تزايد عدد الأوتار من أثنين إلى أربعة إلى خمسة. وقد زاد بعضهم وترًا سادسًا، وآخرون وترًا سابعًا.
ويقال أن أبا نصر الفارابي الفيلسوف صنع عودًا، فكان مخترعه الأول ولم يثقب له وجه فإذا به عند العزف أخرس خال من كل رنين. ثم حدث أن قرض فأر وجه العود فأحدثت به فتحة أكسبت صوته فخامة ورنيناً فسرّ أبو نصر بهذا الاكتشاف. وبنى الكندي، والفارابي وابن سينا نظرياتهم الموسيقية مستعينين بآلة العود كأساس لها، كما استعان صفي الدين بالعود في طريقة التدوين الجدولي.
يختلف شكل العود في العالم كما يختلف اسمه. ولكن ميزته الأساسيّة في كلّ أنواعه هي أن يكون له زند تُبسط فوقها الأوتار التي تثبّت بين الملاوي (المفاتيح) وبين الفَرَس.
وقد دلّت الدراسات أن هناك أنواعًا من الأعواد القديمة التي كان يُعزف عليها، ليس نقرًا بالريشة، بل جرًّا بالقوس، وأن العود القديم كان وجهه (سطحه) من جلد وليس من خشب.
أما مساءا فقد أقيم الحفل الفني الساهر العزف على آلة العود تحت رعاية معالي عبد العزيز بن محمد ألرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية وتميز الحفل بتقديم عشر فقرات موسيقية
الفقرة الأولى : (سماعي سحر الشرق ــ عبد المنعم الحريري ــ مقام النهوند ) و(لونجا صبـوغ أفندي ــ صبوغ أفندي ــ مقام حجاز كاركرد ) و (العصفــور الطائــــرــ منير البشير ــ مقـــــــــــــام النهوند ) قدمها مجموعة أعضاء الجمعية وهم فتحي بن محسن و سالم المقرشي و عبدالفتاح المعيني و خالد التويجري و نبراس الملاهي و بدر الزدجالي و الجلندى البلوشي و حسين البحري و حسين البحري و صقر المشيفري ويعقوب الحراصي و أحمد السيابي و طلال السيابي