الموسيقى فى القرن العشرين تميزت موسيقى القرن العشرين بالتجديد المستمر منذ أن ظهر سيد درويش فى أوائل القرن وإلى قرب نهايته
وحتى أواسط القرن التاسع عشر لم تكن هناك موسيقى عربية معاصرة فى أى من البلاد العربية إذ تكون الفن الموسيقى العربى من عنصرين قديمين هما التراث الشعبى والموشحات
أما الموسيقى المدونة فقد كانت تركية المنشأ والصبغة بحكم سيطرة ثقافة الاحتلال التركى للمنطقة لعدة قرون
مع بداية القرن التاسع عشر كان لتغير الأوضاع الاجتماعية وزيادة الاحتكاك مع الحضارات الأخرى بالحرب تارة والتجارة أخرى دور كبير فى اتجاه المجتمع للتغيير ، وكانت دولة محمد على التى أنشأها فى مصر على أنقاض حكم المماليك والأتراك إيذانا ببدء حركة قومية تتطلع إلى التطور واللحاق بالنهضة الغربية وتدعيم اتجاهات البحث عن الذات القومية والثقافية وكان من الطبيعى أن تعكس الفنون هذه الاتجاهات وتعبر عنها ، ولذلك يمكننا القول بأن تغير المناخ السياسى والاجتماعى كان هو المحرك الأول لكل ما شهدته المنطقة بعد زوال سيطرة الدولة العثمانية .لم تكن الاجتهادات الفنية فردية بصفة مطلقة ، ولما كان الاستقرار هو سمة عصر محمد على فقد كان التغير فيه بطيئا لكن مقدم الغرب مع نهاية القرن 19 أثار أجواء من الاحتكاك والاستنفار جعلت الحركات المحلية أسرع وأعمق وأشمل .
فى أواسط القرن التاسع عشر ظهرت محاولات لتقديم موسيقى محلية الطابع فى مصر قادها عبده الحامولى ومحمد عثمان حتى نهاية القرن ، وكانت الأشكال الفنية الأساسية هى الدور والقصيدة ولكن لم تكن النصوص تتحدث عن شيء غير الغزل والغرام وكثيرا ما قيل أن سيد درويش قد خلص الموسيقى المصرية من الطابع التركى ولكن من الظلم لمحمد عثمان والحامولى القول بأن ألحانهما لم تكن مصرية وأنها قد طبعت بالطابع التركى ، إذ أن أدوارهما أعيد تقديمها بعد أكثر من 70 عاما كمادة تراثية واستهوت تلك الأعمال الجمهور المصرى بشكل كبير ، ووجد فيها قيما فنية عالية الجمال ، لكنها مع ذلك تصنف وكأنها موسيقى بحتة ، ليس للنص فيها دور يذكر وهى فى ذلك تشترك مع الموشحات الأندلسية فى كونها مواد لحنية صيغت على كلمات ليست ذات محتوى شعرى هام ، لكنها عالية القيمة الموسيقية وإن كانت شكلية ويشترك الدور فى تلك الحقبة مع الموشح أيضا فى التركيز على الجمال الشكلى دون عمق فنى والاعتماد على الحركات النغمية ذات الأبعاد المتقاربة والتدرج البطئ حتى الذروة اللحنية التى تكون عادة مستغرقة فى الطرب ويلاحظ عدم أهمية الكلمات وسيطرة الموسيقى تماما ، غير أن أدوار سيد درويش غيرت هذا كله فى القرن العشرين وانتقل الدور من الشكلية التطريبية إلى المدرسة التعبيرية
مع بداية القرن العشرين ظهر المسرح الغنائى برعاية الشيخ سلامة حجازى الذى كان يقدم المسرح العالمى معربا ويطعمه بالقصائد العربية التى أجاد أداءها لما تمتع به من صوت حاز الإعجاب ولكن ألحانه كانت غاية فى التقليدية بحيث اعتمدت على نفس أسلوب الأدوار من التطريب الشكلى
فى أوائل القرن العشرين بمقدم سيد درويش تغير كل شيئ فى الموسيقى وقد أحدث الشيخ سيد تطورا حقيقيا وسريعا فانتقل إلى موضوعات جديدة وأشكال جديدة تميزت بقربها الشديد من الموسيقى الشعبية المحلية مع اتباع أساليب حديثة فى التأليف الموسيقى وأصبح للموسيقى بفضله شكل ومضمون وقد تبع سيد درويش موسيقيون تميزوا بالموهية العالية مثل القصبجى وزكريا والسنباطى وهم وإن اختلفوا فى بعض الأشياء مع سيد درويش إلا أنهم أخلصوا لمدرسته التعبيرية ، وقد أجادوا ثم أضافوا أيضا إلى ما تركه الشيخ سيد
خلال القرن العشرين ظهر شعراء وزجالون موهوبون كونوا ثروة ثقافية هائلة استطاع من خلالها الموسيقيون الجدد تقديم محتوى نصى قيم ومن هؤلاء : بديع خيرى ، بيرم التونسى ، أحمد شوقى ، أحمد رامى ، حافظ ابراهيم ، محمود سامى البارودى ، على محمود طه ، ابراهيم ناجى ، مأمون الشناوى ، حسين السيد ، صلاح جاهين . كما ظهر كتاب وروائيين أثروا الثقافة العامة منهم : محمد تيمور ، توفيق الحكيم ، طه حسين ، عبد القادر المازنى عباس العقاد ، لطفى السيد ، لطفى المنفلوطى ، محمد حسين هيكل ، يحيى حقى ، زكى نجيب محمود ، نجيب محفوظ . وظهرت نخبة من المسرحيين الأكفاء منهم جورج أبيض ، عزيز عيد ، نجيب الريحانى ، على الكسار ، يوسف وهبى ومجموعة من السينمائيين منهم محمد كريم ، أحمد بدرخان ، صلاح أبو سيف ، رمسيس نجيب ، آسيا ومجموعة من الأصوات الجيدة منها :منيرة المهدية ، فتحية أحمد ، محمد عبد الوهاب ، أم كلثوم ، أسمهان ، ليلى مراد ، عبد الحليم حافظ ، فيــروز
كما ظهرت مجموعة من الملحنين الجدد مثل : محمود الشريف ، فريد الأطرش ، كمال الطويل ، محمد الموجى ، محمد فوزى ، بليغ حمدى ، سيد مكاوى ، الأخوان رحبانى وإضافة إلى أسباب التغير السريع كان للتقدم التكنولوجى الذى حمله معه القرن العشرين أثرا بالغا فى تغيير أشياء كثيرة ، فقد ظهرت المحركات السريعة فقادت السيارات والطائرات والدبابات وظهر المصباح الكهربائى والتليفون والمسجلات الصوتية والكاميرا والسينما والراديو والتليفزيون وكل ذلك حدث سريعا وترك آثارا كبيرة على الفنون وبينما لم يدرك محمد عثمان أو الحامولى كثيرا من هذا فقد أدرك سيد درويش الاسطوانات الصوتية والجراموفون ثم أدرك عبد الوهاب السينما فترك المسرح كلية وإن استمر الشيخ زكريا فى المسرح فقد لحن للسينما أيضا كما لحن لها محمد القصبجى ورياض السنباطى بصوت أم كلثوم وغيرها
ومما لاشك فيه أن إضافة الصورة السينمائية بإمكانياتها الهائلة قد غذى الموسيقى بأبعاد جديدة كما زاد من جمهورها وعلى هذا فقد تراجع نشاط المسرح الغنائى أمام التكنولوجيا الجديدة وأصبح الفيلم السينمائى هو البديل العصرى على أن السينما لم تكن بمتناول شعوب المنطقة كلها ولذلك فقد طبعت جميع أغانى الأفلام على اسطوانات لاقت نجاحا كبيرا ثم شارك ظهور الراديو فى تقليل الاعتماد على الاسطوانات كأداة انتشار أساسية ، ومع أواسط القرن العشرين كان فى كل بيت جهاز راديو يبث الأغانى مجانا ليل نهار ولكن هذه الثورة التكنولوجية أدت فى الوقت نفسه إلى تراجع جمهور الحفلات العامة
- فى أواسط القرن العشرين شهدت الموسيقى ازدهارا كبيرا فى مصر بالذات وأنشئ معهدا للموسيقى الأكاديمية الغربية هو الكونسرفاتوار الفرنسى ساهم فى تدعيم الحركة الموسيقية بالعازفين المهرة وقائدى الأوركسترا وصاحب انتشار التعليم العام نشاط تعليم الموسيقى فى المدارس مما أدى إلى ارتفاع حدود التذوق الموسيقى لدى فئات كبيرة من الشعب
كما شهدت تلك الفترة عودة قوية للأغانى الوطنية وعودة أيضا لإحياء التراث الموسيقى فأنشأ عبد الحليم نويرة فرقة الموسيقى العربية فى القاهرة وأنشأ محمد عفيفى فريق كورال سيد درويش فى الإسكندرية
فى أواخر القرن العشرين لم تعد الموسيقى كما كانت فى أوله أو أواسطه ، وإنما تم التخفف تدريجيا من قيود الجدية والأكاديمية بسبب تغير أشياء كثيرة على صعيد السياسة والاقتصاد تغير معها المزاج العام فى المنطقة العربية
فقد حل الشعور بالهزيمة بعد نكسة عام 1967 محل المد القومى وتسببت الحروب فى إضعاف اقتصاد مصر ، وساعد ظهور الثروة البترولية فى الخليج على انتقال مراكز التمويل إلى بلاد الجزيرة العربية ، وقد صاحب حركة الهبوط الفنى فى مصر حركة صعود الفن البدوى القادم من الخليج ، كما قل نشاط الرحبانية فى لبنان