من يتمعن صفحات تاريخ شعبنا ( الكلداني الاشوري السرياني) ، لا شك يمتلء من المرارة والالم بما حصل له خلال 25 قرن الماضية.
فمن اعظم امبراطوريتين في تاريخ الامم الشرقية، الامبراطورية الكلدانية في الجنوب والاشورية في الشمال، لم يبقى له الا القلة القليلة منهم اليوم في العراق، وبعض شتايت موزعين بين دول العالم ومدنهم الكبيرة العديدة. بسبب الاضطهادات المتكرر عليه من قبل بقية القوميات المجاورة.
لكن شعبنا كغيره من الشعوب لم تزول عنده الهوية القومية على الرغم من الفترة الطوية من غيابها، وبعد سقوط كلا الامبراطوريتين ودخوله الى المسيحية غلب طابع الشعور الديني عليه. لكن حفاظ الكنيسة على اللغة الارامية (سريان النصيبين) بثوبها الجديد اللهجة السريانية ومن ثم اللهجة الشرقية والغربية كان اهم عامل لبقاء شعورنا بهويتنا القومية. لكن في الزمن الحرب العالمية الاولى او قبلها، ظهر هذا الشعور المضمور المعتق المتعطش الى اعلان عن ذاته واخراجه الى الوجود من الجديد من خلال نشاطه انذاك!.
على اية حال اذا كان لابد من وضع وصف لحالة شعبنا خلال قرن العشرين، فلن تكون غير الهجرة بعد الهجرة ثم الهجرة، وكانت اخر محطات الهجرة التي وصلتها مجموعة من ابناء شعبنا هي مدينة ملبورن الاسترالية التي ابعد نقطة من بلاد الرافدين.
على الرغم من قوة التعريب والترحيل والتهجير التي مارستها حكومات العراقية المتوالية وبالاخص حكومة صدام حسين الاخيرة على شعبنا الا انه لم تؤثر عليه. هنا بدا جروح شعبنا تندمل، وراح الشعب يبحث عن ماضيه وسائل للاسترجاع نشطاته للحفاظ على الهوية الشرقية المسيحية الخاصة به.
هنا في مدينة ملبورن بدات محاولات لاعادة المناسبات القروية التي كان ابائنا يحتفلون بها في قراهم قبل اكثر من نصف قرن او اكثر في شمال العراق. فراح الناشطين من اهالي كل قرية يقتربون بعضهم لبعض الاخر لحماية اولادهم ولزيادة اواصر الارتباط بينهم ولحماية اللغة والتراث والعادات والفلكلور الخاص بهم، فبدأت هذه الجمعيات والنوادي باقامة النشطات الاجتماعية مثل السفرات والحفلات واللقاءات وبالاخص اقامة الشيروات الذي اصبح اهم عمل جماعي تقوم به اهالي كل قرية لأظهار احترامهم لشفعاء ابائهم وكذلك لاثابت وجودهم بين ابناء الجالية. على الرغم من اي شيرا لاي قديس هو تذكار ديني، هدفه الاول تسليط الضوء على حياته الزهدية والتقشف و والفضائل والشهادة التي قدمها كل من هؤلاء العظماء في تاريخ شعبنا الا ان الجانب الاجتماعي اصبح مهما ايضا في هذه المرحلة من التاريخ.
اقامة الشيروات ليس عملا سهلا، لانه يحتاج الى تحضير وتحمل المسؤولية وتخطيط مسبقا. وبمناسبة اشهر الشيروات (الرابع والخامس والسادس ) هنا في مدينة ملبورن، وجدنا من الضروري وضع بعض الملاحظات العامة المهمة امام قرائنا الاعزاء ، ليس الغرض منها الا للتوضيح النقاط الايجابية والسلبية كي تساعدهم على الاستفادة منها .
الايجابيات
1- اي تجمع في البلدان الغربية هو مفيد، لان العيش في بلدان رأسمالية امر صعب، بسبب كثر المسؤوليات والوقت الضيق تجعل اللقاءات فيها قليلة. في هذه المناسبات، يتم التعارف بين اهالي القرية وعوائلهم واقربائهم و اصدقائهم من ابناء الجالية.
2- الحفاظ على تقاليد التاريخية لاهالي القرية من الملابس والاكل ونوعية الطعام وطريقة التحضيروغيرها.
3- اعطاء اهمية روحية لحياة القديس ،مثلا الحديث عن قصص حياته وظهوراته او شفاعته كي تنتقل للاجيال القادمة كي يتم عمل اكرامهم بالاستمرار.
4- اقامت المسرحيات والتمثيليات عن حياة القديسيين، يجعل من الاطفال يحفظون ذكرى المناسبة والغرض منها في ذاكرتهم، ربما بدورهم سوف ينقلونها الى ابنائهم كما فعل ابائهم.
5- تقديم قسم او كل النقود ( بعضها نذور) الى الكنيسة او صندوق الفقراء اوالايتام في العراق او ارسالها الى فقراء في العراق اوالى دول الجوارهو عمل ايجابي وصحيح جدا.
6 - تعلم ابناء القرية الواحدة للتكاتف معا من اجل مساعدة اقاربهم المتبقين في الطريق (دول الجوار) او في العراق وكذلك التعاون في مناسبات الفرح والتعازي هي من النتائج المهمة المثمرة لظهور اعضاء هذه الجماعات او الجمعيات.
7- توجيه دعوة عامة لجميع ابناء الجالية للحضور بدون قيد او شرط امر مشجع يزيد الروابط بين اهالي هذه الجمعيات وابناء الجالية بدون تكلفة .
8- حضور القداس في الكنيسة قبل القاعة، توزريع الصور والسطرة وزياح صورة القديس واقتبالها من قبل الحاضرين في القاعة امر يزيد التقوى والصلوات واكرام شفيع القرية ونقل اثار وفضائل هذا القديس للناس عامة. اي انه ليس شيرا فقط حفل اجتماعي بل درس ديني تعليمي للحاضرين جميعا.
9- تحضير الطعام والجلوس على المناضد وحفظ النظام واحترام نعمة الطعام المباركة من قبل الكاهن، المشاركة في اكل الطعام بصورة جماعية (اكل جماعي) هي امور مهمة. شيئا فشيئا يجعل من الاولاد ايضا يفهمون معنى والاسباب من اقامة هذا التذكار.
10– حضور الاباء الكهنة لهذه المراسيم واقامة الصلوات الطقسية واعطاء البركة على الطعام يجعل من الناس ينقادون الى الاستمرار في اقامة هذه الشيروات وصلواتهم و تقواهم الروحية المسيحية، بالاخص مكانة القديس في قلب المؤمنين وطلب شفاعته.
السلبيات
اما السلبيات فهي كثير ايضا. لابد ان نقول مرة اخرى ليس هناك عملا جماعيا تقوم به مجموعة من الناس يكون كاملا تماما، وهذا امر طبيعي وليس معيب، لكن الاهم من كل هذا، هو محاولة التغلب على هذه النواقص والعيوب بالدراسة والتحضير الجماعي والتخطيط المسبق وعن طريق التوعية.
1- المشاركة في تحضير الطعام من كل بيت امر جيد، ولكن التبذير غير مرغوب به، وهذا يقع ضمن عمل اللجنة المنظمة للتذكار واعلامهم وادارتهم.
2- السيطرة على الصوت والضوضاء داخل القاعة والاستماع الى الكاهن والمتكلمين اثناء الحفل هو امر ضروري، لان الشيرا يختلف عن حفل الزواج او الامسية فهو حفل ديني.
3- ترك الاطفال يركضون في القاعة او يلعبون في الساحة الخارجية بدون مراقبة امرمقلق. هذا الموقف جلب للجاليتنا الكثير من المشاكل مثل حرماننا من قبل اصحاب هذه القاعات استخدامها مرة اخرى، مما جبر المسؤولين صرف مبالغ اكثر في تاجير قاعات اصغر، بالتالي يقل الحضور والمشاركة بسبب الازدحام.
4- عدم اعلام الكنيسة مسبقا، عدم ضبط الوقت، عدم اجراء اتصالات مع جميع اهالي اقرية،عدم ترك الخلافات الشخصية جانبا هي من الامور تعيق الجماعة وتؤلم الجميع.
5- الشيروات ليست موضوع او مجال للتباهي وانما هو حفل ديني فيه مظهراجتماعي ، فليس هناك شيرا افضل من غيره سوى في عملية التنظيم والادارة وطريقة اظهار فضائل هؤلاء القديسين وزرعها في قلوب الحاضرين وبالاخص الاطفال والاجيال القادمة وهو الامر الاهم والمقياس الاصح لتقيم اي شيرا.
6- احضار الفرق الموسيقية يكون عمل مضر به اذا لم تعطي اللجنة المسؤولة الاهمية الكافية عن للحديث عن حياة القديس وشاركت او استمعت الى الصلوات بخشوع واحترام ، لانه سيطغي مظهر الحفل الاجتماعي على الشيرا وهو امرسلبي لانه عكس الغاية الرئيسة من اقامته.
7- اهمال الكبار في السن من نقل خبراتهم في هذا المجال ايضا شيء سلبي ، لان لهؤلاء الاباء قصص وتاريخ مملوء من الذكريات يريدون اخراجها الى الوجود امام ابنائهم واقاربهم.
8- احيانا يحدث عدم الاستماع الى الكاهن بخصوص التوضيحات والقضايا الروحية والالتزام بها خاصة موضوع الهدوء ومشاركة في الصلوات بخشوع .
9- ترك تنظيف الهول او الاطعمة في المطبخ والساحة وارضية القاعة مع المرافق الاخرى على عدد قليل من اشخاص المنظمين بدون مساعدتهم ومشاركتهم في التنظيف هو امر معيب، لانه يزيد الثقل على اللجنة المنظمة قد تضطر الى الغاء الشيرا في السنين القادمة.
10- الانغلاق على الذات امرغير مرغوب بتاتا من قبل الجميع، لذلك على مسؤولي هذه اللجان الاهتمام بهذه الملاحظة ، لذلك مشاركتهم و حضورهم مع الاخرين في اقامة تذكارهم مهم جدا، كي يتم تشجيع ابناء شعبنا للاختلاط معا وعدم الفصل او التمييز او الانغلاق. لاننا مسيحيون قبل كل شيء، ولا يمكن ان يكون تذكار قديس ما خاص بجماعة قرية معينة وحدها، لذلك حضورنا في المناسبات الاخرى هي عملية اظهار محبة واحترام والتزام بأيماننا المسيحي وخطوة للحفاظ على وجودنا كجالية لها خصوصيتها في المهجر .