الموسيقى العمانية التقليدية وعلم الموسيقى
تعتمد الموسيقى العمانية التقليدية في انتقالها بين الأجيال أولا وأخيرا على التوارث الشفهي وذلك عن طريق أسلوب الممارسة والتناقل العملي. والموسيقى العمانية شانها شان موسيقى حضارات وشعوب أخرى لم تعتمد في توارثها أو في ممارستها أو في حفظها على أسلوب التدوين سواء كان ذلك تدوينا للموسيقى أو تدوينا للتاريخ العام للموسيقى. وهذه هي أهم الفروق بالمقارنة مع موسيقى البلاد الأوروبية التي اعتمدت في كيانها الموسيقي على استخدام التدوين كعنصر بناء في خلاياها الموسيقية وليس فقط كأسلوب حفظ أو توارث.
وفي بداية عام 1900 قام العالمان (كارل شتومف و ايريخ موريتس) بتأسيس علم موسيقى جديد وأطلقا عليه بالألمانية اسم (Vergleichende Musiwissenschaft) وترجم هذا الاصطلاح إلى اللغات الأخرى, وسمي بالعربية (علم الموسيقى المقارنة).
وكما تدل التسمية تمثل "المقارنة" الهدف الأول في هذا العلم. ويقصد مؤسسو هذا العلم إنهم من خلال مقارنة الموسيقى غير الأوروبية خاصة موسيقى الشعوب الفطريين والتي لم يحدث تطور كبير في موسيقاهم والتي تعتمد في إحيائها على التناقل الشفهي والاعتماد على الناحية العملية يمكن بهذه المقارنة كسب معلومات تمكنهم من تصور بداية موسيقاهم الأوروبية من الناحية العملية التي لا يمكنهم التعرف عليها الآن حتى من خلال التدوينات الموجودة لديهم لأنها لا يمكنها توصيل الناحية العملية مثل الإحياء الموسيقي أو مقاييس السلم الموسيقي أو أساليب الزخرفة أو الإيقاعات المصاحبة.. الخ.
وتسمية " علم الموسيقى المقارنة " تصطدم بمشكلة أخرى وهي إذا أراد احد مواطني التي لا تستخدم التاريخ والتدوين كعنصر أساسي في موسيقاها, بحث موسيقى وطنه, فلماذا يسمى بحثه هذا تحت تصورات تسمية " علم الموسيقى المقارنة " لأنه لن يقارن ولن ينتظر نفس النتائج والاحتمالات التي ينتظرها العلم الأوروبي الراغب في المقارنة !.
وفي عام 1940 استخدم الباحث الموسيقي الهولندي (ياب كونست) لأول مرة اصطلاح (Ethno-Musicology) والتي تكتب الآن ككلمة واحدة (Ethnomusicology) ويرتبط هذا النوع من الموسيقى بنوعية الجنس العرقي ولذلك تسمى بالعربية " موسيقى الأجناس " أو أيضا " موسيقى الشعوب ".
الموسيقى العمانية
ولمعالجة الموسيقى العمانية التقليدية من الناحية العلمية فيكون من داخل " علم موسيقى الأجناس " وذلك للأسباب السابق ذكرها. وهذا يعني أننا يجب علينا استخدام كل ما نستطيع استخدامه من الفروع السابق ذكرها من " علم الموسيقى " ككل وذلك بفروعه الثلاثة:
¢ الفروع الموسيقية.
¢ الفروع التاريخية.
¢ الفروع المساعدة.
ويلعب هدف البحث الدور الهام في اختيار أو استخدام هذه الفروع لأنه بالبديهة لا يمكن استخدام كل هذه الفروع في كل الأبحاث باختلاف أهدافها. وسوف نجد بالطبع بعض الفروع التي لا توجد أصلا في الموسيقى العمانية, مثل تاريخ المسرح مثلا أو التأكيد على عناصر هامة في الفنون العمانية مثل الرقص الحركي ودور الشعر.
ولشرح موسيقى عمان التقليدية من الوجهة العلمية فيجب دراسة ثلاثة اتجاهات منها التاريخي (بمفهومة الشامل) والعملي الموسيقي والعلمي الموسيقي وذلك بالتقسيم التالي:-
¢ الموثرات التاريخية:
o الناحية الجغرافية.
o الناحية السياسية والاجتماية.
o الناحية الدينية.
o الناحية الاقتصادية.
¢ الموثرات العملية:
o الالات الموسيقية.
o التدوين الموسيقي.
o الايقاع.
o النظام اللحني.
o الرقص الحركي.
¢ الموثرات العلمية:
o التصنيف العلمي والانماط الموسيقية.
o التحليل الموسيقي.
o الجمع الميداني.
o النظام اللحني.
o الموسيقى العمانية والموسيقى العالمية.
الناحية الاقتصادية والتقنية
لا يمكن تجاهل البنية الاقتصادية للمجتمع إذا رغبنا في تحليل ومعرفة نوعية موسيقاه. فالمجتمع الزراعي تختلف أنماط موسيقاه عن المجتمع البدوي وكذلك الصناعي. ففي المجتمع الزراعي مثلا نجد أن عنصر الموسيقى " يشترك " في أغاني العمل في الزراعة نفسها وهذا الأمر لا نجده في المجتمع الصناعي البحت مثلا. كذلك إذا لعب البحر دورا اقتصاديا كالحال في السلطنة نجد كثرا من الأنماط الموسيقية التي ترتبط بفنون البحر بأشكالها المختلفة (فنون الشاطئ, فنون على السفينة, فنون عمل, فنون سمر ... الخ).
ويلعب الاقتصاد التجاري أيضا دورا هاما في الاحتكاك بالحضارات الأخرى الذي يعود على الفنون بعد ذلك بالثراء والتوسع. ونرى في عمان مثلا إنها كانت رائدة في تجارة البخور وذلك من قديم الزمان فقد كانت على علاقة تجارية مع العراق القديم ومصر واليونان والروم وذلك منذ عام 700 - 300 ق.م.
وسلطنة عمان بالمقارنة بكثير من بلاد المنطقة لها إمكانيات استغلال عدة اتجاهات اقتصادية وذلك بحكم الارتباط بموقعها الجغرافي وتضاريسها التي تسمح ذلك فتنوع اتجاهات المجتمع الاقتصادي تنعكس على فنونه أيضا.
وبما أن الفنون مرآة المجتمع نجد في عصور الرخاء الاقتصادي نهضات فنية ملموسة تعكس الحالة النفسية للمجتمع والعكس صحيح فإذا قارنا بعض الحضارات القديمة أيضا نجد أننا لا نملك أثارا فنية قيمة في أوقات العصور السيئة. وذلك لان الفرد في المجتمع يكون شاغله الأول والأخير " لقمة العيش " ومحاربته للجوع والفقر لا تساعده على الابتكار الفني والعمل به.
ويلعب الجانب التقني دورا حيويا في الفنون وذلك من عدة اتجاهات منها المساهمة في الابتكارات التي تساعد على تطوير الفنون مباشرة وذلك مثل الآلات وصناعتها. كذلك الابتكارات التقنية الغير مباشرة وذلك مثل ابتكار الأجهزة التسجيلية. وعلى سبيل المثال يعتبر ابتكار شريط الكاسيت الصغير ثورة كبيرة في أسلوب انتشار الموسيقى على المستوى الشعبي وذلك له تأثيره أيضا على تغيير بعض النوعيات الموسيقية التي يكون اتجاهها الأول والأخير اتجاها تجاريا بحتا لا يراعى فيه القيمة الفنية.
ولا يجب أن ننسى إن التطور التقني أيضا هو الذي ساعدنا بداية القرن العشرين على الاحتفاظ ببعض الفنون الموسيقية والتي تعتبر الآن مرجعا للأسلوب العملي الموسيقي. وكذلك الأجهزة الحديثة الحالية التي تمكننا من تصوير الأحداث وإعادة عرضها كذلك الاستفادة منها في أرشفة الفنون الأصيلة التي كانت دائما عرضة للضياع طالما لم يواظب المجتمع على إحيائها.
الناحية الدينية
يمكن متابعة علاقة الموسيقى بالدين في اتجاهين: ما هو دور الموسيقى في الدين؟, وكذلك ما هو موقف الدين من الموسيقى؟.
تلعب الموسيقى أحيانا دورا هاما في ممارسة الدين. فنجد في الحضارات القديمة مثلا إن الطقوس الفرعونية كانت تشمل على موسيقى, إذ نرى ذلك في كثير من قبور الفراعنة والأشراف ايضا. وحتى الأديان السماوية مثل اليهودية والمسيحية بأنواعها الكاثوليكية والبروتستنتية وكذلك اليونانية الأرثوذكسية فكل هؤلاء يستخدمون الموسيقى كجزء ثابت في تأدية صلواتهم واحتفالاتهم الدينية.
أما الإسلام فيستخدم بعض عناصر الموسيقى ولكنها لا تكون جزء أساسيا في محتويات مراسمه الدينية فنجد المؤذن يستخدم الألحان في أذانه كذلك أنواع التجويد في القران الكريم تبنى على تفعيلات موسيقية مدروسة ولكن بأسلوب آخر عن الشائع في الموسيقى الدنيوية.
ويأتي إلى ذلك الاحتفالات المرتبطة بالدين الإسلامي ولكنها من أشعار حره وليست من كلمات القران الكريم, ولذلك نجد أنواعا مختلفة خاصة بالاحتفالات الدينية تختلف باختلاف السبب والمكان. ويلعب الموقف الديني من الموسيقى أيضا دورا هاما في التعامل مع الموسيقى. فعند احتواء المراسم الدينية على عنصر الموسيقى كأساس لهذه المراسيم فبالطبع تكون العناية بالموسيقى بصورة مؤكدة ومقننة دينيا أيضا. أما الأديان التي لا تذكر هذه العلاقة بوضوح فيوجد بعض المفسرين الذين يستغلون هذا الموقف ويحاولون تشويه هذه العلاقة.
وتتحكم درجة ارتباط المجتمع بالدين في تصرفاته العامة وأيضا مع الموسيقى. فإذا نظرنا إلى المجتمع العماني نجد إن صلته بالدين قوية ويؤكد ذلك المجتمع في تصرفاته وكذلك الحكومة في تدعيم هذا الموقف.
ويوجد الكثير من الاحتفالات الدينية التي يستخدم فيها الموسيقى بعناصرها المختلفة في عمان, وذلك مثل احتفالات المالد والمولد والتومينة والشعبانية والتهلولة واحمد الكبير وخلافه.